التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
٢١٩
فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٠
-البقرة

تفسير الجيلاني

{ يَسْأَلُونَكَ } يا أكمل الرسل { عَنِ } حرمة { ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } أهما من المحرمات الإلهية أم لا؟ { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } أمَّا في الخمر؛ فلكونه معطلاً مزيلاً للعقل الجزئي المودع في الإنسان، ليتوصل به إلى العقل الكل المتفرع إلى اسم العليم، الشامل لجميع ما كان ويكون، وهو اللوح المحفوظ والكتاب المبين وأمَّا في الميسر فلكونه متلفاً للمال الذي هو سبب تعمير البدن، الذي هو مخزن جوهر العقل المذكور الذي اختص به الإنسان، وبه استحق مرتبة الخلافة والنيابة.
{ وَ } فيهما { مَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ } أي: لبعضهم من المرض الذي لا يمكنهم العلاج بدون إزالة عقولهم، والتداوي لهم منحصر في الخمر عند المتطببين، ومن استغناء بعض السفلة من الناس واسترزاقهم بالميسر { وَ } لكن { إِثْمُهُمَآ } عند أولي النهي واليقين { أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } عندهم، بل لا نفع فيهما بالنسبة إليهم؛ إذ لا يبقى لهم رابطة مع أبدانهم ليصلحوا ويصححوا { وَيَسْأَلُونَكَ } أيضاً يا أكمل الرسل: { مَاذَا يُنفِقُونَ } من أي شيء ينفقون، على أي وجه ينفقون؟ { قُلِ } يا أكمل الرسل نيابة عنا: أنفقوا { ٱلْعَفْوَ } الفاضل من أموالكم؛ لئلا يتضرروا بالجهد، وليسهل عليكم التجاوز عنه، لا يشق عليكم إنفاقه { كَذٰلِكَ } أي: على الوجه الأحسن الأسهل { يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ } جميع { ٱلأيَٰتِ } المنزلة عليكم إصلاح حالكم { لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } [البقرة: 219] رجاء أن تتأملوا:
{ فِي } الآيات المتعلقة لأمور { ٱلدُّنْيَا } فتتصفوا بما فيها { وَ } أيضاً تأملوا في الآيات المتعلقة لأمور { ٱلآخِرَةِ } فتحققوا بها، وتمكنوا عليها واطمأنوا بسببها؛ ليتم لكم تهذيب الظاهر والباطن، وبعد ذلك يترتب ما يترتب { وَيَسْأَلُونَكَ } أيضاً { عَنِ } أحوال { ٱلْيَتَامَىٰ } الذين لم يبلغوا الحلم، ولا متعهد لهم من ذوي القربى { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ } أحوالهم { خَيْرٌ } من إبقائهم في المذلة والهوان { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ } من غاية المرحمة والإشفاق { فَإِخْوَانُكُمْ } في الدين، يجزيكم الله خيراً إن كتنتم قاصدين فيه إصلاحهم ورعايتهم، دون إفساد مالهم وعرضهم { وَٱللَّهُ } الماطلع بمقاصدكم { يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ } المبطل منكم { مِنَ ٱلْمُصْلِحِ } المحق، فيجازي كلاً منهم على مقتضى علمه { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ } المطلع لإفسادكم وإعناتكم أن يفسد عليكم ويعنتكم { لأَعْنَتَكُمْ } أذلكم وأفسدكم أشد من إفسادكم وإعناتكم إياهم { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } غالب قادر على الانتقام { حَكِيمٌ } [البقرة: 220] لا ينتقم بلا موجب.