التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ
٣٨
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ
٣٩
ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
٤٠
ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ
٤١
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ
٤٢
وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ
٤٣
-الحج

تفسير الجيلاني

ثم لما خشي المؤمنون على معاداة المشركين، وخافوشا عن مخاصمتهم، وغيظهم إذا خرجوا نحو مكة للزيارة والطواف قاتَلوا معهم، وأكَّبوا عليهم وعلى أموالهم، وأَسَروا أولادهم، أزال الله سبحانه عنهم الرعب وأسقط عنهم الخشية بقوله: { إِنَّ ٱللَّهَ } المتكفل لأمور عباده، الحفيظ عليهم عما يؤذيهم { يُدَافِعُ } كيد الكفرة العداة البغاة الطغاة { عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } بالله وصدقوا بشعائر دينه، وقصدوا إقامتها على أمره ووحيه، كيف لا يدفع سبحانه مع كمال قدرته خيانةَ من خان بأحبائه وأصدقائه { إِنَّ ٱللَّهَ } المنتقم لأعدائه { لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ } مبالغ في الخيانة سيما مع أوليائه وأحبائه { كَفُورٍ } [الحج: 38] مبالغ في كفران نعمه، حيث صرفها في غير محله مثل: هدي الكفرة، وذبحهم لأصنامهم وأوثانهم.
ثم لما اشتد إضرار الكفرة بالمسلمين وامتد أذاهم عليهم ظلماً وعدواناً، أراد المؤمنون أن يقاتلوا ويشاجروا معهم، منعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال والحراب بإذن الله ووحيه سبعينَ مرة لنزول آية في المنع عنه، وقال صلى الله عليه وسلم في كل مرة: أصبروا حتى يأمر الله.
ثم لما شق على المسلمين ظلمهم وضررهم وصاروا مهانين صاغيرين مع قدرتهم على مقاتلتهم ومدافعتهم { أُذِنَ } ورُخِّص من جانب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم { لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ } أي: يريدون القتال معهم بعدما تحلموا كثيراً من أذاهم وظلمهم، فنزل هذه الآية للرخصة بعدما نزلت سبعون آية بعدمها، لذلك قيل نسخت هذه الآية نيفاً وسبعين، وإنما رخصهم سبحانه بها { بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } أي: بسبب أنهم صاروا مظلومين صاغرين عن أذى الكفار والمشركين { وَإِنَّ ٱللَّهَ } القادر المقتدر { عَلَىٰ نَصْرِهِمْ } أي: نصر الأولياء على الأعداء { لَقَدِيرٌ } [الحج: 39] لينصرهم ويغلبهم عليهم، وإن كانوا أكثر منهم، وكيف لا ينتقم سبحانه عن أعدائه لأجل أوليائه؟.
إذ هم { ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم } ظلماً وعدواناً { بِغَيْرِ حَقٍّ } ورخصة شرعية موجبة للإخراج والإجلاء { إِلاَّ أَن يَقُولُواْ } أي: لا موجب لأخراجهم سوى قولهم هذا: { رَبُّنَا ٱللَّهُ } الواحد الأحد الصمد المنزه عن الشريك والولد { وَ } كيف لا يدفع سبحانه شر الكفرة عن أوليائه الموحدين؛ إذ { لَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } أي: بتسليط أهل الإيمان على المشركين المعاندين { لَّهُدِّمَتْ } وخرجت باستيلاء الأعداء على الأولياء { صَوَامِعُ } للرهابنة { وَبِيَعٌ } للنصارى { وَصَلَوَاتٌ } هي كنائس اليهود { وَمَسَاجِدُ } للمسلمين، إنما عد كل واحد منها { يُذْكَرُ فِيهَا } أي: في كل واحد منها { ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً } أي: حيناً كثيراً، وذكراً كثيراً { وَ } اللهِ { لَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ } المتكفل بعباده { مَن يَنصُرُهُ } ويعين دينه ونبيه ويصدق كتابه { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لما في صدور عباده من الإخلاص { لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } [الحج: 40] غالب قادر على الإنعام والانتقام لأوليائه من أعدائه، كما سلط ضعفاء أهل الإيمان على صناديد العرب والعجم من الأكاسرة والقياصرة، وشاع دينهم بين الأنام إلى يوم القيامة.
وكيف لا ينصرهم سبحانه، إذ هم: { ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ } وقدرناهم وجعلنا لهم التصرف والاستيلاء { فِي ٱلأَرْضِ } المعدة للطاعات والعبادات { أَقَامُواْ } وأداموا { ٱلصَّلاَةَ } والميل إلينا بجميع جوارحهم وأركانهم ميلاً مقروناً بأنواع الخضوع، والخشوع، والاستكانة، والانكسار، تطهيراً لنفوسهم عن العتو والاستكبار، وتقريباً لهم إلينا على وجه المذلة والافتقار { وَ } مع ذلك { آتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ } المصفية لبواطنهم عن الميل إلى زخرفة الدنيا الغدارة { وَأَمَرُواْ } على من دونهم { بِٱلْمَعْرُوفِ } المستحسن عقلاً وشرعاً { وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } المستقبح شرعاً وعرفاً على الوجه المبين لهم من ألسنة رسلهم كتبهم المنزلة عليهم من الله { وَلِلَّهِ } المدبر لأحوال عباده { عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } [الحج: 41] أي: مرجع جميع الأمور الجارية فيما بينهم، المتعلق بتهذيب ظواهرهم، وموانع بواطنهم عن موانع الوصول إلى مرتبة التوحيد.
ثم لما تغمم رسول الله صلى لله عليه وسلم وتحزّن من تكذيب قومه إياه صلى الله عليه وسلم، ونسبتهم له ما لا يليق بشأنه، أراد سبحانه أن يسلّي حبيبه صلى الله عليه وسلم ويزيل عنه همَّه فقال: { وَإِن يُكَذِّبُوكَ } قومُك يا أكمل الرسل لا تبال بهم وبتكذيبهم { فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ } أي: قبل أمتك { قَوْمُ نُوحٍ } أخاك نوحاً عليه لاسلام { وَعَادٌ } أخاك هوداً عليه السلام { وَثَمُودُ } [الحج: 42] أخاك صالحاً عليه السلام.
{ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ } جدك الخليل أبا الأنبياء - عليه وعليهم السلام - { وَقَوْمُ لُوطٍ } [الحج: 43] أخاك لوطاً عليه السلام.