التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً
٣٢
وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً
٣٣
ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً
٣٤
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً
٣٥
فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً
٣٦
-الفرقان

تفسير الجيلاني

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } على سبيل الإنكار والتكذيب للقرآن والرسول على وجه الإعراض والاستهزاء: { لَوْلاَ } أي: هلاَّ { نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } من عند ربه كالكتب الثلاثة على الأنبياء الماضين؛ يعني: إنهم استدلوا بنزوله منجماً على أنه ليس من عند الله؛ إذ من سنته سبحانه إنزال الكتب من عنده سبحانه كالكتب السالفة، قال سبحانه تسليةً لحبيبه، ورداً للمنكرين: إنما أنزلناه { كَذَلِكَ } أي: منجماً متفرقاً { لِنُثَبِّتَ } ونشيِّد { بِهِ فُؤَادَكَ } يا أكمل الرسل، ونمكنك على حفظه نجوماً؛ لأن حالك مخالف لحال موسى وداود وعيسى - صلوات الله عليهم - إذ هم من أهل الإملاء والإنشاء والكتب، وأنت أميٌّ؛ ولأن إنزاله عليك بحسب الوقائع والأغراض، والإنزال بحسب الوقائع والأغراض أدخل في التأييد { وَ } لهذه الحكمة والمصلحة { رَتَّلْنَاهُ } أي: تلوناه لك وقرأناه عليك { تَرْتِيلاً } [الفرقان: 32] شيئاً بعد شيء على التراخي والتدريج في عرض عشرين سنة أو ثلاث وعشرين.
{ وَ } أيضاً من جملة حِكمة إنزاله منجماً: إنه { لاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ } عجيب غريب يضربون لك جدلاً ومكابرةً في وقت من الأوقات، وحال من الحالات على تفاوت طبقاتهم { إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } أي: جئناك بالمثل الحق على طريق البرهان تأييداً لك وترويجاً لأمرك ودينك أوضح بياناً مما جاءوا به { وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } [الفرقان: 33] وتبييناً.
وكيف يتأتى منهم المعارضة والمجادلة معك يا أكمل الرسل مع تأييدنا إياك في النشأة الأولى والأخرى، وهم في الدنيا مقهورون مغلوبون، وفي الآخرة { ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ } ويُسحبون { عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ } البعد والخذلان، وجحيم الطرد والحرمان، وبالجملة: { أُوْلَـٰئِكَ } الأشقياء المردودون عن شرف القبول { شَرٌّ مَّكَاناً } ومصيراً { وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان: 34] وأخطأ طريقاً، اهدنا بفضلك سواء سبيلك.
ثمَّ أخذ سبحانه في تعداد المنكرين الخارجين على رسل الله، المكذِّبين لهم، المسيئين الأدب معهم، وما جرى عليهم بسوء صنيعهم من أنواع العقوبات والنكبات، فقال: { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة المشتملة على الأحكام؛ ليبين للأنام ما فيها من الأوامر والنواهي المصفية للنفوس المنغمسة بالمعاصي والآثام؛ ليستعدوا لقبول المعارف والحقائق المنتظرة لهم في استعداداتهم الفطرية وقابلياتهم الجِبلِّية { وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً } [الفرقان: 35] ظهيراً له يؤازره، ويعاون له في ترويج دينه وتبيين أحكام كتابه.
وبعدما أيدناهما بإنزال التوراة وإظهار المعجزات { فَقُلْنَا } لهما: { ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } الدالة على توحيدنا واستقلالنا بالتصرف في مظاهرنا ومصنوعاتنا إرادةً واختياراً؛ يعني: فرعون وهامان ومن معهما من العصاة البغاة، الهالكين في تيه العتو والفساد وادعوهم إلى توحيدنا، وأظهروا الدعوة لهم فذهبا على مقتضى الأمر الوجوبي فدعوا فرعون لقومه إلى ما أُمرا، فأبوا عن القبول وكذبوهما، واستهزءوا معهما كبراً وخيلاءً، فأخذناهم بتكذيبهم واستنكافهم { فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً } [الفرقان: 36] أي: أهلكناهم إهلاكاً كلياً إلى حيث لم يبقَ منهم أحد على وجه الأرض.