التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً
٦٨
يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً
٦٩
إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٧٠
وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً
٧١
-الفرقان

تفسير الجيلاني

{ وَ } بالجملة: هم الموحدون { ٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ } الواحد الأحد، المستقل بالألوهية والربوبية { إِلَـٰهًا آخَرَ } يستحق للعبودية مثله { وَ } من جملة خصائلهم الحميدة: إنهم { لاَ يَقْتُلُونَ } بحال من الأحوال { ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ } الحكيم المتقن في أفعاله وأحكامه قتلها؛ إذ كل نفس من النفوس البشرية إنما وضعت وبنيت بيتاً لله،، مهبطاً معه ولوحيه وإلهامه، محلاً لحلول سلطان وحدته الذاتية ومجلى لظهور أسمائه الحسنى وصفاته العليا العظمى الكاملة، فلا يصح هدم بيته وتخريب بنائه { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } أي: بالرخصة الشرعية الموضوعة بوضع الله سبحانه حدّاً وقصاصاً.
{ وَ } من جملة أخلاقهم الحميدة: إنهم { لاَ يَزْنُونَ } عدواناً وعدولاً عن مقتضى الحد الشرعي و الوضع الإلهي في حفظ النسب عن اختلاط النطف؛ إذ هي من أخس المحرمات وأفحش المحظورات؛ لذلك عقَّبه سبحانه بالوعيد الهائل، فقال: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } أي: الزنا التي هي الفعلة الشنيعة، والديدنة القبيحة المتناهية في القبح والشناعة المستكرهة عند الطباع السليمة، المسقطة للمروءة والعدالة { يَلْقَ } يوم الجزاء { أَثَاماً } [الفرقان: 68] أي: جزاء مسمى بالأثام مبالغةً وتأكيداً، كأن اسم الإثم موضوع له حقيقةً وهي جامع لجميع ما يطلق عليه اسم الإثم ادعاءً لذلك.
{ يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } لا ضعفاً مرة، بل أضعافاً كثيرةً، ومع ذلك التضعيف والتشديد { وَيَخْلُدْ } ويدوم { فِيهِ } أي: في العذاب { مُهَاناً } [الفرقان: 69] صاغراً ذليلاً بالنسبة إلى جميع أهل النار؛ إذ الزنا من أقبح الجرائم عند الله وأفحشها؛ إذ لا جُرم عنده سبحانه أعظم من هتك محارمه، أعاذنا الله من ذلك.
{ إِلاَّ مَن تَابَ } عما جرى عليه من سوء القضاء، ورجع إلى الله نادماً عن فعله خائباً خاسراً، مستحيياً من الله، خائفاً عن بطشه، مكذباً لنفسه، معيراً عليها، متأوهاً متحسراً عما صدر عنه { وَ } مع ذلك { آمَنَ } بتوحيد الله، وأكَّد توبته بتجديد الإيمان المقارن بالإخلاص الصائن للمؤمنين عن ارتكاب المحظورات المنافية للإيمان، وبالجملة: جدد إيمانه معتقداً أه حين صدر عنه لم يكن مؤمناً { وَ } مع التوبة وتجديد الإيمان { عَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً } منبئاً عن إخلاصه في إيمانه وتوبته، مشعراً على يقينه ومعرفته.
{ فَأُوْلَـٰئِكَ } السعداء التائبون الآيبون المقبولون، هم الذين { يُبَدِّلُ ٱللَّهُ } الحكيم المصلح لأحوال عباده بعدما وقفهم على التوبة الخالصة والإنابة الصحيحة الوثيقة { سَيِّئَاتِهِمْ } التي أتوا بها قبل التوبة { حَسَنَاتٍ } بعدها، بأن يمحو سبحانه بفضله معاصيهم المثبتة في صحائف أعمالهم قبل إنابتهم، ويثبت بدلها حسنات بعدما { وَكَانَ ٱللَّهُ } المطلع لسرائر عباده وإخلاصهم { غَفُوراً } لهم، متجاورزاً عن ذنوبهم وإن عظمت بعدما جاءوا بالتوبة الخالصة { رَّحِيماً } [الفرقان: 70] يقبل توبتهم ويغفو زلتهم.
{ وَ } بالجملة: { مَن تَابَ } ورجع إلى الله نادماً عما مضى عليه من المعاصي { وَعَمِلَ } عملاً { صَالِحاً } تلافياً لما فات من الطاعات والحسنات، جابراً لما انكسر من قوائم إيمانه وأعماله بالمفاسد والآثام { فَإِنَّهُ يَتُوبُ } ويرجع { إِلَى ٱللَّهِ } المتفضل المحسن الكريم الرحيم { مَتاباً } [الفرقان: 71] أي: توبة مقبولة عند الله، مرضية دونه.