{ وَ } من وفور وجودنا وإحساننا { لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ } حين لاح عليهم أمارات العدوان، وعلامات الفسوق والعصيان { أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } أي: بأن اعبدوه حق عبادته، وتذللوا نحوه ولا تتكبروا عليه بالخروج عن مقتضى أوامره وحدوده { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [النمل: 45] أي: بعدما أظهر عليهم الدعوة فاجئوا على الافتراق؛ حيث آمن له البعض، وصدقه وأعرض عنه البعض الآخر فكذبه، فاختصما.
{ قَالَ } صالح للمعرضين المكذبين: { يٰقَوْمِ } شأنكم الحذر والإعراض من عذاب الله ونكاله، وعن موجبات قهره وأسباب عضبه { لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ } الموجبة لأنواع العذاب والقهر الإلهي { قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } المستجلبة لعموم الخيرات { لَوْلاَ } أي: هلاَّ { تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ } العفو الغفور؛ لكفركم وذنبكم الذي صدر عنكم { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النمل: 46] قبل نزول عذابه عليكم؛ إذ حين نزول العذاب لا ينفع توبتكم واستغفاركم.
وبعدما ظهر عليهم أمارات قهر الله وغضبه إياهم ووقع الجدب بينهم { قَالُواْ } مغاضبين على صالح: { ٱطَّيَّرْنَا } أي: تطيرنا وتشاءمنا { بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ } من المصدقين لك، المتدينين بدينك؛ إذ توارت علينا المصيبات مذ ظهرتم بدينكم هذا، ووقعت الوقائع الهائلة بشؤمكم وحدوث دينكم، وبعدما سمع منهم صالح ما سمع آيس عن إيمانهم وصلاحهم { قَالَ طَائِرُكُمْ } أي: سببكم الذي جاء منه شركم وخيركم { عِندَ ٱللَّهِ } وفي لوح قضائه وحضرة علمه، كتب عليكم الخير والشر حسب ما صدر عنكم من الأعمال الصالحة والطالحة، ولا معنى لتطيركم وتشاؤمكم بنا { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } [النمل: 47] وتُخبرون بتفاقهم المحن، وتلاطم أمواج الفتن؛ كي تستغفروا وتندموا عما أنتم عليه من الكفر، وتستأصلوا من الكفر والعصيان، وتستأصلوا بنزول عذاب الله، وبعدما سمعوا منه كلامه هذا قصدوا مقته وإهلاكه.