التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَنتَ بِهَادِي ٱلْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ
٨١
وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ ٱلأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ
٨٢
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ
٨٣
حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمَّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
٨٤
وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ
٨٥
أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٨٦
-النمل

تفسير الجيلاني

{ وَ } بالجملة: { مَآ أَنتَ } أيها المرسل للهداية، والمبعوث للإرشاد والتكميل { بِهَادِي ٱلْعُمْيِ } الفاقدين لآلات الهداية وأسبابها { عَن ضَلالَتِهِمْ } المركوزة في جبلتهم الراسخة في طباعهم { إِن تُسْمِعُ } أي: ما تسمع أنت هدايتك وإرشادك أيها الهادي بوحينا وتوفيقنا { إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا } الدالة على كمال وحدة ذاتنا، وقدرتنا وعلمنا وإرادتنا ويصدق بجميع ما جئت به من عندنا { فَهُم مُّسْلِمُونَ } [النمل: 81] منقادون لأوامرنا وأحكامنا، مجتنبون عن نواهينا ومحظوراتنا، فهم من شدة شقاوتهم وغلظ غشاوتهم لا يؤمنون بك ولا يسلمون، فكيف يتأتى لك إسماعهم وإراشدهم؟!.
{ وَ } اصبر يا أكمل الرسل { إِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ } الموعود { عَلَيْهِم } ولاح أمارات الساعة وظهر علامات القيامة، ودنا وقت قيامها { أَخْرَجْنَا لَهُمْ } قبيل قيام الساعة { دَآبَّةً } عظيمة { مِّنَ ٱلأَرْضِ } لتكون أمارة على قيامها، دالة على كمال قدرتنا على إحياء الأموات من العظام الرفات، طولها سبعون ذراعاً، ولها قوائم وزغب؛ أي: شعرات صفر كريش الفرخ، وريش وجناحان، يقال لها: الجساسة، لا يفوتها هارب ولا يدركها طالب.
سُئل عليه السلام عن مخرجها فقال:
"من أعظم المساجد حرمة على الله تعالى" يعني: المسجد الحرام.
فإذا خرجت عليهم { تُكَلِّمُهُمْ } وتخاطب معهم بسوء فعالهم وحسن خصالهم فتفرق المؤمن من الكافر، وحينئذٍ ظهر { أَنَّ ٱلنَّاسَ } المنهمكين في بحر الغفلة والنيسان لأي شيء { كَانُوا بِآيَاتِنَا } الواصلة إليهم من ألسنة رسلنا { لاَ يُوقِنُونَ } [النمل: 82] ولا يذعنون، بل ينكرون ويكذبون عناداً أو مكابرةً.
{ وَيَوْمَ } اذكر يا أكمل الرسل { نَحْشُرُ } ونسوق عند قيام الساعة { مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً } فرقة وجماعة هي صناديدهم ورؤساؤهم { مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا } التي جاء بها رسلنا؛ لإهدائهم وإرشادهم { فَهُمْ } في حين حشرهم وسوقهم { يُوزَعُونَ } [النمل: 83] أي: يحبس أولهم لآخرهم؛ حتى يتلاقوا ويزدحموا، ويساقون أولئك المجرمون هكذا.
{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءُو } المحشر وحضروا الموعد، وعُرضوا على الله صافين صاغرين { قَالَ } قائل من قبل سرادقات العظمة والجلال معيداً عليهم: { أَكَذَّبْتُم } أنتم أيها المسرفون { بِآيَاتِي } في بادي الرأي بلا تأمل وتدبر فيها { وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً } أي: لم تطرحوا نظركم وعقولكم عن فحض معانيها وفحاويها؛ حتى ظهر عندكم ولاح عليكم هل هي جديرة بالرد والإنكار؟ أم حقيق بالقبول والاعتبار؟ فبادرتم إلى تكذيبها بلا إمعانٍ فيها { أَمَّا ذَا } أي: أم أي شيء شنيع { }كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النمل: 84] أيها الجاهلون المسرفون؟!.
وبعدما جرى من أنواع التوبيخ ما جرى سكتوا حائرين، خائبين منكوسين { وَ } حينئذٍ { وَقَعَ ٱلْقَوْلُ } المعهود منا، وتحقق الوعد، وحل العذاب الموعود { عَلَيهِم بِمَا ظَلَمُواْ } أي: بسبب ظلمهم السابق { فَهُمْ } حينئذٍ { لاَ يَنطِقُونَ } [النمل: 85] ولا يعتذرون، ولا يتضرعون، يكبهم على النار منكوسين؛ بحيث لا يسع لهم التنطق والتضرع أصلاً.
{ أَلَمْ يَرَوْاْ } ولم ينظروا أولئك الحمقى بنظر العبرة إلى مصنوعاتنا المتبدلة المتغيرة بقدرتنا واختيارنا؛ ليتحقق عندهم أمر الساعة، ولم يبادروا إلى إنكارها؛ حتى لا يلحقهم ما لحقهم { أَنَّا } من كمال قدرتنا، ووفور حولنا وقوتنا كيف { جَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ } مظلماً { لِيَسْكُنُواْ فِيهِ } بلا دغدغة منهم إلى الحركة والاشتغال { وَ } كيف جعلنا { ٱلنَّهَارَ مُبْصِراً } مضيئاً تتحركون وتترددون فيه يشغل معاشكم { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الإظلام والإضاءة على التعاقب والتوالي { لآيَاتٍ } دلائل قاطعات، وشواهد ساطعات على قدرة القديم القادر المقتدر على أمثال هذه المقدورات المتقنة، والمصنوعات المحكمة الصادرة عن محض الحكمة { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النمل: 86] ويذعنون بوحدة ذات الله وكمال أوصافه وأسمائه.