التفاسير

< >
عرض

فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥
قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ
٢٦
قَالَ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ
٢٧
قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
٢٨
-القصص

تفسير الجيلاني

وبعدما تم مناجاته مع ربه، وطلب حاجته منه سبحانه { فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا } أي: إحدى المرأتين { تَمْشِي } نحوه { عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ } تام منه، لما وصلت حوله سلمت عليه، ثمَّ { قَالَتْ } له مستحيية: { إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ } ويكافئك { أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } تبرعاً، فأجابها موسى تبركاً برؤية شعيب عليه السلام لا طمعاً لأجرته.
رُوي أنه لمَّا دخل عليه أتى أولاً بالطعام، فامتنع موسى عليه السلام وقال: نحن من أهل بيت لا نبيع بالدنيا، قال شعيب عليه السلام: هذا من عادتنا مع كل من ينزل بنا، وإن من أتى بمعروف، وأهدي له لم يحرم أخذه وأكله في جميع الأديان.
{ فَلَمَّا جَآءَهُ } أي: جاء موسى شعيباً - عليهما السلام - وتبرك بشرف صحبته لاح عليه حاله { وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ } الذي جرى عليه من أوله إلى آخره، وسمع منه الشيخ على التفصيل { قَالَ لاَ تَخَفْ } بعد اليوم { نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } [القصص: 25] يعني: فرعون وملأه.
وبعدما جلس موسى عند شعيب - عليهما السلام - وقصَّ عليه ما جرى من الخوف والحزن وأنواع الكآبة { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا } أي: إحدى الابنتين، وهي التي استدعته للضيافة: { يٰأَبَتِ ٱسْتَئْجِرْهُ } لرعي الغنم، وأنت تريد الأجير { إِنَّ خَيْرَ } جميع { مَنِ ٱسْتَئْجَرْتَ } من الرجال هو؛ لأنه { ٱلْقَوِيُّ } أي: شديد القوة { ٱلأَمِينُ } [القصص: 26] ذو الأمانة والديانة.
قال لها أبوها حمية وغيرة: من أين عرفت قوته وأمانته؟ فذكرت لأبيها إقلال الحجر العظيم وحده من رأس البئر مع أن الناس يقلونه في جمع كثير، فهذا دليل قوته، وأما أمانته فإني بعدما دعوته قام ومشى قدامي، وأمرني بالمشي خلفه، صيانةً عن النظر إلي، فقال لي: دليني عن الطريق إن ضللت، وهذا دليل أمانته وصيانته حدود الله.
ولمَّا سمع شعيب عليه السلام من ابنته ما سمع من أمارات أمانته ومروءته رغب إلى ألفته ومؤانسته؛ حيث { قَالَ } شعيب لموسى عليه السلام { إِنِّيۤ } بعدما وجدتك شاباً صالحاً، سوياً ذا رشد وأمانة { أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ } على صداق معين { عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي } نفسك برعي الغنم { ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً } كاملاً { فَمِنْ عِندِكَ } تبرعاً وإحساناً { وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ } بأن أحملك أزيد من ذلك { سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } [القصص: 27] للخدمة والمصاحبة، والمؤاخاة والموافاة في أداء الحقوق والعهود.
{ قَالَ } موسى مجيباً له، راغباً لقبول ما ألقاء من الكلام: { ذَلِكَ } الوقت الذي عينته ملزماً عليَّ أولاً { بَيْنِي وَبَيْنَكَ } معهود ثابت، والذي قلته ثانياً تبرعاً مني، وبالجملة: { أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ } يعني: أجل الالتزام، وأجل التبرع { قَضَيْتُ } يقع المعهود بلا تردد { فَلاَ عُدْوَانَ } ولا تعدي { عَلَيَّ } بعد انقضاء كل واحد من الأجلين { وَٱللَّهُ } الشهيد المطلع لعموم أحوال عباده { عَلَىٰ مَا نَقُولُ } من المشارطة والمعادة { وَكِيلٌ } [القصص: 28] حفيظ يحفظه على وجهها.