التفاسير

< >
عرض

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلنَّارِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٢٤
وَقَالَ إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٥
فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٦
-العنكبوت

تفسير الجيلاني

وبعدما بلغ الخليل - صلوات الرحمن وسلام عليه - في الدعوة والإرشاد، وأيده بأنواع المواعظ والتذكيرات والرموز و الإشارات، ونبذ من الوعيدات والإنذارات رجاء أن يتنبهوا منها ويتفطنوا به اعلى ما هو الحق { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } بعد استماعهم مقالاه تفصيلاً { إِلاَّ أَن قَالُواْ } متفقين مجتمعين: { ٱقْتُلُوهُ } حداً، فإنه قد أعرض عن دينكم وانصرف عن آلهتكم وشفعاءكم { أَوْ حَرِّقُوهُ } فإنه جدير بالإحراق؛ لعظم جرمه وكبر ذنبه، وبعدما اتفقوا على حرقه أو قدوا ناراً عظيمة بحيث لا يمكن التقرب إليها إلا بمسافة بعيدة، فوضعوه في المنجنيق، فرموه بها إليها { فَأَنْجَاهُ ٱللَّهُ } الرقيب المطلع على إخلاص عباده وأخلصه { مِنَ } حرق { ٱلنَّارِ } وجعلها له برداً وسلاماً { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } الإنجاء والإنقاذ مع أن طبع النار الإحراق والإفناء { لآيَاتٍ } عظام ودلائل جسام على كمال قدرة الله وحوله وقوته { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [العنكبوت: 24] بوحدة ذاته وكمال أسمائه وصفاته؛ لأ،هم هم المنتفعون بأمثال هذه الشواهد والبراهين.
وبعدما أنجاه الله منها { وَ } أيس من إيمان قومه { قَالَ } لهم موبخاً عليهم وموعداً لهم بوحي الله وإلهامه: { إِنَّمَا ٱتَّخَذْتُمْ } وأخذتم { مِّن دُونِ ٱللَّهِ } المتوحد بالألوهية والربوبية { أَوْثَاناً } آلهة: لتكونوا أسباباً لكم توجب { مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ } وتوقع المحبة والمؤاخاة بين أظهركم { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } بأن تجتمعوا عندها وتعتكفوا حولها، وتتقربوا إليها بالهدايا والقرابين { ثُمَّ } اعلموا أيها الضالون المنهمكون في بحر الغفلة والضلال والجهل بالله وبقدره وقدر حوله وقوته { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المعدة للعرض والجزاء وحساب ماصدر عنكم في دار الابتلاء { يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ } يعني: يقع التناكر والتخاصم بينكم، فيكفر بعضكم ببعض { وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } أي: كل منكم ومن معبودكم يتلاعنون ويتخاصمون حال كونكم متبرئين كل منكم عن صحابه تابعاً ومتبوعاً، عابداً ومعبوداً { وَ } بالجملة: { مَأْوَاكُمُ } ومرجعكم إليها أنتم وآلهتكم جميعاً، خالدون فيها لا نجاة لكم منها بأعمالكم وأفعالكم { ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } [العنكبوت: 25] ليشفعوا لكم وينقذوكم منها بشفاعتهم.
وبعدما أنجى سبحانه خليله - صلوات الرحمن عليه وسلامه - من النار، وخرج منها سالماً سوياً بلا لحوق ضرر { فَآمَنَ لَهُ } ابن أخيه { لُوطٌ } وهو أول من آمن به وأنكره غيره، ونسبوه إلى السحر والشعبذة وأنواع الخرافات { وَ } لما أيس الخليل عن إيمانهم { قَالَ } للوط وزوجته سارة ابنة عمه: { إِنِّي } بعدما أيست عن إيمان هؤلاء الجهلة الضالين، ونجوت عن مكائدهم { مُهَاجِرٌ } مبعد منهم { إِلَىٰ } أرضٍ أمرني { رَبِّيۤ } للهجرة إليها، وأوحاني أن أذهب نحوها، فعليَّ أن امتثل لأمره وأمضي على موجب حكمه { إِنَّهُ } سبحانه في ذاته وأسمائه وأفعاله { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على جميع ما جرى عليه مشيئته وقضاءه { ٱلْحَكِيمُ } [العنكبوت: 26] المتقن في جميع ما صدر عنه إرادة واختياراً.