التفاسير

< >
عرض

بَلَىۤ إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ
١٢٥
وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ
١٢٦
لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ
١٢٧
لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ
١٢٨
وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٢٩
-آل عمران

تفسير الجيلاني

ثم أوحى إ ليك بأن قلت: { بَلَىۤ } يكفيكم هذا القدر، أن تستغيثوا وتستلجئوا إلى الله؛ رغباً وترهيباً من العدو، ولكن { إِن تَصْبِرُواْ } في مقابلتهم ومقاتلتهم { وَتَتَّقُواْ } عن الاستدبار والانهزام، وتصيروا فرَّارين، كرارين مراراً، طالبين رضا الله وإمضاء حكمه، وإنفاذ قضائه، يزيد عليكم { وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا } أي: ساعتهم الحاضرة التي هي هذه { يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ } أجراً؛ لصبركم وتقواكم { بِخَمْسَةِ ءَالَٰفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [آل عمران: 125] معلمين، معلومين، ممتازين عن البشر.
{ وَ } اعلموا أيها المؤمنين { مَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } الهادي لعابده إلى زلال توحيده، أمثال هذه الإمدادات والإرهاصات الواردة في أمثال هذه الوقائع { إِلاَّ بُشْرَىٰ لَكُمْ } يبشركم بمقام التوكل والتفويض والرضا والتسليم { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } أي: لتكونوا مطمئنين بالله، فانين ببقائه { وَ } اعلموا أيضاً { مَا ٱلنَّصْرُ } والانهزام { إِلاَّ } مقدرين { مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } العليم العلام { ٱلْعَزِيزِ } القادر والغالب على الإنعام والانتقام { ٱلْحَكِيمِ } [آل عمران: 126] المتقن في فعله على أتم الوجه، وأكمل النظام.
وإنما جعله وبشر به { لِيَقْطَعَ } وليستأصل { طَرَفاً } جملة وجماعة { مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أعرضوا عن طريق التوحيد، فينهزم الباقون { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } أي: يخزيهم ويرديهم { فَيَنقَلِبُواْ } جميعاً { خَآئِبِينَ } [آل عمران: 127] خاسرين، نادمين.
وإذا كان الكل من عند الله العزيز الحكيم { لَيْسَ لَكَ } يا أكمل الرسل { مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } أي: شيء من أمورهم، بل الأمر كله لله، فله أن يفعل معهم ما شاء وأراد، إما أن يستأصلهم { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } توبة تنجيهم من أنانيتهم { أَوْ يُعَذِّبَهُمْ } دائماً؛ جزاء لظلمهم وكفرهم { فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } [آل عمران: 128] مستقرون على الظلم ما داموا في الحياة الدنيا.
{ وَ } كيف لا تكون أمورهم مفوضة إلى الله؛ إذ { للَّهِ } خاصة مستقلة بلا مزاحم ومشارك { مَا } ظهر { فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا } ظهر { فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ } يستر { لِمَن يَشَآءُ } جريمة المخالفة لطريق التوحيد بعد رجوعه وإنابته إليه سبحانه { وَيُعَذِّبُ } بها { مَن يَشَآءُ } في جهنم البعد والخذلان { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لمن تاب واستغفر { رَّحِيمٌ } [آل عمران: 129] لمن استحى وندم.