{إِن يَمْسَسْكُمْ} ويصبكم أيها المجاهدون في سبيل الله؛ لإعلاء كلمته {قَرْحٌ} ضيق ومشقة من أعداء الله يوم أُحد، لا تبالوا به ولا تضعفوا بسببه، ولكم أن تذكروا يوم بدر {فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ} العدو {قَرْحٌ مِّثْلُهُ} بل أشد من ذلك، ومع ذلك لم يضعفوا ولم يجنبوا، مع كونهم ساعين على الباطل، وأنتم أحقاء بألاَّ تجبنوا ولا تشعفوا؛ لكونكم مجاهدين في طريق الحق، ساعين لترويجه {وَ} اعلموا أن {تِلْكَ ٱلأَيَّامُ} أي: أيام النصر والظفر والقرح والغنيمة أيام وأزمان {نُدَاوِلُهَا بَيْنَ} جميع {ٱلنَّاسِ} محقهم ومبطلهم، مؤمنهم وكافرهم؛ ليعلموا أنهم جميعاً تحت حيطة أوصافنا الجمالية والجلالية، واللطفية والقهرية.
{وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ} أي: ينبه ويرشد خصوصاً {ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} بتوحيد الله بأمورهم على الجهاد طريق الفناء فيه؛ ليفوزوا بشرف بقائه {وَ} لذلك {يَتَّخِذَ مِنكُمْ} أيها المؤمنون {شُهَدَآءَ} واصلين، أحياء دائمين {وَٱللَّهُ} المتوحد بذاته {لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140] المتجاوزين عن طريق توحيده المائلين عن صراطه المستقيم.
{وَلِيُمَحِّصَ} يطهر ويصفي {ٱللَّهُ} بلطفه قلوب {ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} تيقنوا وتحققوا بصفاء التوحيد {وَيَمْحَقَ} ويهلك في ظلمة البعد والإمكان {ٱلْكَافِرِينَ} [ال عمران: 141] الساترين بهوياتهم الباطلة، المظلمة الكثيفة نور صفاء الوجود.
أتحسبون وتطمعون أيها المريدون، القاصدون سلوك طريق التوحيد، أنكم مستوون عند الله في السلوك {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ} الوحدة الذاتية {وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ} أي: لم يفرق، ولم يميز الله بعلمه الحضري {ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ} في سبيله ظاهراً وباطناً، وبذلوا جهودهم فيها إلى أن بذلوا مهجهم فتفانوا في الله حتى صاروا شهداء حضراء أمناء عند الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون عن المتقاعدين المتكاسلين {وَ} أيضاً {يَعْلَمَ} وليميز منكم {ٱلصَّابِرِينَ} [آل عمران: 142] المتمكنين في مرمى القضاء الرضا بما جرى عليهم من سهام التقدير، بلا إقدام ولا إحجام.
{وَلَقَدْ كُنْتُمْ} أيها المحمديون، المستكشفون عن سرائر التوحيد الذي {تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ} الموصل إلى مرتبة اليقين العيني والحقي عند وصولكم إلى مربتة اليقين العلمي، مسرعين عليها؛ شوقاً واستلذاذاً {مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} متى ظهرت أمارات التوحيد، ولمع سراب الفناء، وبرق صوارم القضاء المفضية إلى هلاك الغير والسوى مطلقاً {وَأَنْتُمْ} أيها الطالبون للوصول إلى جنة الذات {تَنظُرُونَ} [آل عمران: 143] تبطئون وتغتبرون.