التفاسير

< >
عرض

إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
١٤٠
وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ
١٤١
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّابِرِينَ
١٤٢
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ
١٤٣
-آل عمران

تفسير الجيلاني

{ إِن يَمْسَسْكُمْ } ويصبكم أيها المجاهدون في سبيل الله؛ لإعلاء كلمته { قَرْحٌ } ضيق ومشقة من أعداء الله يوم أُحد، لا تبالوا به ولا تضعفوا بسببه، ولكم أن تذكروا يوم بدر { فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ } العدو { قَرْحٌ مِّثْلُهُ } بل أشد من ذلك، ومع ذلك لم يضعفوا ولم يجنبوا، مع كونهم ساعين على الباطل، وأنتم أحقاء بألاَّ تجبنوا ولا تشعفوا؛ لكونكم مجاهدين في طريق الحق، ساعين لترويجه { وَ } اعلموا أن { تِلْكَ ٱلأَيَّامُ } أي: أيام النصر والظفر والقرح والغنيمة أيام وأزمان { نُدَاوِلُهَا بَيْنَ } جميع { ٱلنَّاسِ } محقهم ومبطلهم، مؤمنهم وكافرهم؛ ليعلموا أنهم جميعاً تحت حيطة أوصافنا الجمالية والجلالية، واللطفية والقهرية.
{ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } أي: ينبه ويرشد خصوصاً { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله بأمورهم على الجهاد طريق الفناء فيه؛ ليفوزوا بشرف بقائه { وَ } لذلك { يَتَّخِذَ مِنكُمْ } أيها المؤمنون { شُهَدَآءَ } واصلين، أحياء دائمين { وَٱللَّهُ } المتوحد بذاته { لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } [آل عمران: 140] المتجاوزين عن طريق توحيده المائلين عن صراطه المستقيم.
{ وَلِيُمَحِّصَ } يطهر ويصفي { ٱللَّهُ } بلطفه قلوب { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } تيقنوا وتحققوا بصفاء التوحيد { وَيَمْحَقَ } ويهلك في ظلمة البعد والإمكان { ٱلْكَافِرِينَ } [ال عمران: 141] الساترين بهوياتهم الباطلة، المظلمة الكثيفة نور صفاء الوجود.
أتحسبون وتطمعون أيها المريدون، القاصدون سلوك طريق التوحيد، أنكم مستوون عند الله في السلوك { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ } الوحدة الذاتية { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ } أي: لم يفرق، ولم يميز الله بعلمه الحضري { ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ } في سبيله ظاهراً وباطناً، وبذلوا جهودهم فيها إلى أن بذلوا مهجهم فتفانوا في الله حتى صاروا شهداء حضراء أمناء عند الله، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون عن المتقاعدين المتكاسلين { وَ } أيضاً { يَعْلَمَ } وليميز منكم { ٱلصَّابِرِينَ } [آل عمران: 142] المتمكنين في مرمى القضاء الرضا بما جرى عليهم من سهام التقدير، بلا إقدام ولا إحجام.
{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ } أيها المحمديون، المستكشفون عن سرائر التوحيد الذي { تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ } الموصل إلى مرتبة اليقين العيني والحقي عند وصولكم إلى مربتة اليقين العلمي، مسرعين عليها؛ شوقاً واستلذاذاً { مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ } متى ظهرت أمارات التوحيد، ولمع سراب الفناء، وبرق صوارم القضاء المفضية إلى هلاك الغير والسوى مطلقاً { وَأَنْتُمْ } أيها الطالبون للوصول إلى جنة الذات { تَنظُرُونَ } [آل عمران: 143] تبطئون وتغتبرون.