التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
١٦١
أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَ ٱللَّهِ كَمَن بَآءَ بِسَخَطٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٦٢
هُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ وٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ
١٦٣
لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ
١٦٤
-آل عمران

تفسير الجيلاني

ثم لما نسب المنافقون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما برأه الله ذيل عصمته عنه من الخيانة والغلول، راد الله عليهم في ضمن الحكمة الكلية، الشاملة لجميع الأنبياء؛ إذ مرتبة النبوة مطلقاً مصونة عن أمثال هذه الخرافات، فقال: { وَمَا كَانَ } أي: ما صح وما جاز { لِنَبِيٍّ } من الأنبياء، خصوصاً خاتم النبوة والرسالة صلى الله عليه وسلم { أَنْ يَغُلَّ } يخون ويحيف بالنسبة إلى أحد { وَمَن يَغْلُلْ } أحداً من الناس { يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي: تأتي مغلولة مع ما غل فيه على رءوس الأشهاد { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ } مطيعة أو عاصية جزاء { مَّا كَسَبَتْ } أي: يعطي جزاء ما كسبت وافياً { وَهُمْ } في تلك الحالة { لاَ يُظْلَمُونَ } [آل عمران: 161] لا ينقصون من أجورهم؛ إذ لا ظلم فيها، بل يزاد عليها تفضلاً وامتناناً.
{ أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ } انقاد وأطاع { رِضْوَانَ ٱللَّهِ } أي: رضاه، ورضي الله عنه؛ لتحققه بمقام الرضا ومأواه جنة التسليم { كَمَن بَآءَ } رجع وقصد بكفر وظلم مستلزم { بِسَخَطٍ } عظيم { مِّنَ ٱللَّهِ وَ } بسببه { مَأْوَاهُ جَهَنَّمُ } البعد الطرد { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } [آل عمران: 162] والمنقلب مصير أهل الكفر والظلم وحاشا ليسوا كمثلهم.
بل { هُمْ } أي: المتابعون رضوان الله { دَرَجَٰتٌ } عالية عظيمة { عِندَ ٱللَّهِ } حسب درجات أعمالهم { وٱللَّهُ } المطلع لحالات عباده { بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } [آل عمران: 163] يجازيهم على مقتضى عملهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
والله { لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ } منة عظيمة { عَلَى ٱلْمُؤمِنِينَ } المخلصين { إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ } لهدايتهم { رَسُولاً } مرشداً لهم، ناشئاً { مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } يرشدهم بأنواع الإرشاد { يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ } ويسمعهم أولاً { آيَاتِهِ } الدالة على وحدة ذاته { وَيُزَكِّيهِمْ } ثانية عن وسوسة شياطين الأهواء، المضلة عن طريق التوحيد { وَيُعَلِّمُهُمُ } ثالثاً { ٱلْكِتَابَ } المبيِّن لهم طريقة تصفية الظاهر، وما يتعلق بعالم الشهادة { وَ } رابعاً بعلمهم { ٱلْحِكْمَةَ } المصفيَّة للباطن عن الميل إلى الغير والسوى، الموصلة إلى سدرة المنتهى التي عندها جنبة المأوى { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ } أي: قبل انكشافهم بالمراتب الأربعة { لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ } [آل عمران: 164] وخذلان عظيم.
نبهنا بفضلك عن نومة الغافلين.