التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٧٢
وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٧٣
يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
٧٤
-آل عمران

تفسير الجيلاني

{ وَ } من غاية حسدهم ونهاية بغضهم أنهم احتالوا واستخدعوا لإضلال المسلمين حيث { قَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } لأصحابه وجلسائه على وجه الحيل والمخادعة: { آمِنُواْ } استهزاءً و تسفيهاً { بِٱلَّذِيۤ } يدعون أنه { أُنْزِلَ } عليه موافقة { عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } به { وَجْهَ ٱلنَّهَارِ } أي: أول بدو النهار؛ ليفرحوا ويسروا بموافقتكم إياه { وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ } أي: اتركوه وأنكروا عليه في آخر النهار، معللين بأنا لم نجد محمداً على الوصف الذي ذكر في كتابنا؛ ليترددوا ويضطربوا بمخالفتكم، افعلوا كذلك دائماً { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [آل عمران: 72] رجاء أن يرجعوا عن دينهم وإيمانهم.
{ وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ } أي: لا تخلصوا عن صميم القلب، ولا تظهروا تصديقكم { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } من إخوانكم وأصحابكم المتدينين بدين آبائكم وأسلافكم { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل رداً لمخادعتهم ودفعاً لحيلتهم كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة: { إِنَّ ٱلْهُدَىٰ } الموصل إلى سواء السبيل { هُدَى ٱللَّهِ } الهادي لعباده، يهدي من يشاء إلى طريق توحيده، ويُضِّل عنه من يشاء، وإنما دبرتم وخادعتم { أَن يُؤْتَىۤ } أي: لأنْ يؤتى { أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ } من الكفر والإنكار بمحمد صلى الله عليه وسلم { أَوْ يُحَآجُّوكُمْ } أي: يغلبوكم بهذا الخداع والتدبير { عِندَ رَبِّكُمْ } على زعمكم الفاسد واعتقادكم الباطل { قُلْ } يا أكمل الرسل: لا تغتروا بمزخرفات عقولكم، ولا تطمئنوا بمقتضياتها؛ إذ هو صار عن المعرفة خصوصاً عند تزاحم الوهم، بل { إِنَّ ٱلْفَضْلَ } والهداية { بِيَدِ ٱللَّهِ } بقدرته ومشيئته { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } بلا معاينة العقل ونصرته { وَٱللَّهُ } الهادي لعباده { وَاسِعٌ } في فضله وهدايته، لا حصر لطريق إلهامه وعلمه { عَلِيمٌ } [آل عمران: 73] باستعدادات عباده، يوصل كلاً منهم إلى توحيده بطريق يناسب استعداده.
بل { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ } الواسعة الشاملة لجميع الفضائل والكمالات { مَن يَشَآءُ } من خلَّص عباده، تفضلاً عليه من عنده من استعداداتهم ما لا يدرك غوره، ولا يكتنه طوره { وَاللَّهُ } المتجلي بجميع الكمالات { ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [آل عمران: 74] واللطف الجسيم على بعض مظاهره من الأنبياء والأولياء الذين فنيت هوياتهم البشرية بالكلية في بحر الوحدة، وتجردوا عن جلبابها بالمرة.