التفاسير

< >
عرض

هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ
٧
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ
٨
رَبَّنَآ إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ
٩
-آل عمران

تفسير الجيلاني

{ هُوَ ٱلَّذِيۤ } اصفاك يا أكمل الرسل لرسالته واجتباك لنيابته وخلافته، بأن { أَنزَلَ } تفضلاً وامتناً { عَلَيْكَ } من عنده لتصديقك وتأييدك { ٱلْكِتَابَ } المعجز لجميع من تحدى وتعارض معك تعظيماً لشأنك، وفصله بالسور والآيات الدالة على الأمور المتعلقة لأحوال العباد، وفي النشأة الأولى والأخرى؛ إذ { مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ } متعلقة بعموم أحوال العباد على اختلاف طبقاتهم في معاشهم معادهم من الأحكام والمعاملات والمعتقدات الجارية فيما بينهم بحسب النشأتين { هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } واجبة الاقتداء والامتثال لكافة الأنام { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } متعلقة بالمعارف والحقائق المتربتة على الحكم والمصالح المودعة في إيجاب التكليفات، والطاعات والعبادات المؤدية إليها بالنسبة إلى أولى العزائم الصحيحة المتوجهة إلى بحر التوحيد.
{ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } ميل وعدول عن طريق الحق الجامع بين الظاهر والباطن { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } ويتركون الامتثال بمحكماته جهلاً وعناداً، ولم يعلموا أن الوصول إلى المعارف والحقائق إنما تنال بتهذيب الظاهر بامتثال المحكمات، وليس غرضهم من تلك المتابعة { ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ } أي: طلب إيقاع الفتنة بين الناس إفساد عقائدهم عن منهج التوحيد { وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } إلى ما يرتضيه عقولهم وتشتهيه نفوسهم، كالمبتدعة خذلهم الله { وَ } الحال أنه { مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } على ما ينبغي { إِلاَّ ٱللَّهُ } المنزل؛ إذ تأويل كلامه لا يسع لغيره إلا بتوفيقه وإعانته { وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ } اللدني المؤيدون من عنده بإلهامه ووحيه بمعارف وحقائق لا تحصل بمجرد القوة البشرية إلا بتأييد منه، وجذب من جانبه { يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ } أي: أيقنا وأذعنا بمحكمات الكتاب ومتشابهاته جميعاً؛ إذ { كُلٌّ } منزل { مِّنْ عِندِ رَبِّنَا } ومالنا أن يتفاوت فيه { وَمَا يَذَّكَّرُ } يتعظ ويتيقظ منه { إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران: 7] المجبولون على لب التوحيد، المعرضون عن قشوره التي هي من مقتضيات القوى النفسانية، التي هي من جنود شياطين الأهواء الباطلة والآراء الفاسدة.
{ رَبَّنَا } يا من ربانا بلطفك على نشأة توحيدك { لاَ تُزِغْ } ولا تمل { قُلُوبَنَا } عن طريقك { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } عليه بإنزال الكتب وإرسال الرسل { وَهَبْ لَنَا } وتفضل علينا { مِن لَّدُنْكَ رَحْمَةً } علماً وعيناً وحقاً { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْوَهَّابُ } [آل عمران: 8] بلا إعراض وأغراض.
{ رَبَّنَآ إِنَّكَ } بذاتك وأوصافك وأسمائك { جَامِعُ } شتات { ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ } شأنه { لاَّ رَيْبَ فِيهِ } ولا شك في وقوعه لإخبارك بوقوعه على ألسنة رسلك، وإنزالك في كتبك { إِنَّ ٱللَّهَ } الجامع لتشات العباد في المعاد { لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [آل عمران: 9] الذي وعده في كتابه، بل أنجزه على مقتضى إنزاله ووحيه.