التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ
٢
هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ
٣
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
٤
أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٥
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٦
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٧
-لقمان

تفسير الجيلاني

{ الۤـمۤ } [لقمان: 1] أيها الإنسان الكامل اللائق للوامع لطائف أنوار الوجود الإلهي، ولوائح آثار جوده، المكرم المؤيَّد من عنده بمزيد اللطف والكرم، الممتاز المتخصص من بيع جميع مظاهره بالمرتبة الجامعة المستجمعة لجميع المراتب العلية.
{ تِلْكَ } الآيات المتلوة عليك يا أكمل الرسل امتناناً لك، واختصاصاً بشأنك { آيَاتُ ٱلْكِتَابِ } أي: نبذ من آيات الكتاب { ٱلْحَكِيمِ } [لقمان: 2] المشتمل على الحكمة المتقنة، المنبعثة عن اجتماع القدرة الكاملة والإرادة الخالصة، المترتبين على العلم الكامل الإلهي الذي لا يغيب عن حضرة حضوره ذرة من ذرائر ما لاحت عليه شمس الوجود.
ولجمعيته وشموله، وصدق نزوله من عند الله اتصف بوصفه سبحانه تأكيداً ومبالغةً، ولكونه نازلاً من عنده سبحانه على مقتضى الحكمة البالغة؛ لتأييد رسوله المعبوث إلى كافة الأمم صار { هُدًى } عاماً، ورشداً تاماً كله للمتثلثين بما فيه من الأوامر والنواهي، والأحكام والقصص، والتذكيرات والعبر، والرموز والإشارات { وَرَحْمَةً } خاصة نازلة من عنده سبحانه { لِّلْمُحْسِنِينَ } [لقمان: 3] الذي لا يرون غير الله في الوجود، ولا يعبدون سواه من الوسائل، ولا ينسبون الحوادث الكائنة في الآفاق إلى الأسباب العادية، والمحسنون المرضيون عند الله، الراضون بما جرى عليهم من نفوذ القضاء.
هم { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } ويواظبون عليها في جميع أوقاتهم وحالاتهم، سيما الأوقات المحفوظة المقبولة { وَيُؤْتُونَ } وينفقون جميع ما في أيديهم من الرزق الذي يسوق الحق إليهم في سبيله طلباً لمرضاته، سيما { ٱلزَّكَاةَ } المفروضة عليهم من عنده سبحانه تزكيةً لظواهرهم عن الالتفات إلى ما يشغلهم { وَ } مع ذلك لا يقتصرون أولئك السعداء المقبولون بتهذيب الظاهر والباطن، بل { هُمْ بِٱلآخِرَةِ } المعدة لتنقيد الأعمال وجزاء الأفعال { هُمْ يُوقِنُونَ } [لقمان: 4] علماً وعيناً وحقاً.
وبالجملة: { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المتصفون بالخصائل السنيَّة والأخلاق المرضية { عَلَىٰ هُدًى } صريح صحيح، فائض نازل إياهم { مِّن رَّبِّهِمْ } تفضلاً عليهم، وامتناناً لهم { وَأُوْلَـٰئِكَ } الأمناء المقبولون المرضيون عند الله { هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [لقمان: 5] المقصورون على الفوز والفلاح
{ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 38].
جعلنا الله من خدامهم وتراب أقدامهم.
{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ } المجبولين على كفران نعم الله، ونسيان حقوق كرمه وجوده { مَن يَشْتَرِي } ويستبدل آيات الكتاب المشتمل على أنواع الفضائل والكمالات، وأصناف الهدى والكرامات { لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ } أي: يستبدل الآيات الإلهية، ويختار بدلها من الأراجيف الكاذبة ما يلهي النفوس، ويشغلها عما يعينها ويفيدها، ويقربها إلى ما لا يعنيها ويضرها، وما ارتكب ذلك الضال المضل بما ارتكب من الاشتراء والاستبدال الفاسد إلاَّ { لِيُضِلَّ } ويصرف { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } من يميل إليها ويتوجه نحوها؛ ليتدين بدين الله، وينقاد لنبيه على مقتضى فطرته الأصلية، مع أنه صدر عنه هذا الصرف والمنع { بِغَيْرِ عِلْمٍ } يتعلق به منه نقلاً، عن جهل مرتكز في جبلته، وحميته مركوزة في خبث طينته طبيعته.
{ وَ } بسبب ذلك الجهل الجبلي { يَتَّخِذَهَا } إلى الآيات الموصلة إلى طريق الحق وتوحيده { هُزُواً } أي: محل استهزاء وسخرية؛ لجهله وغفلته عن السرائر المودعة فيها، والأسرار المكنونة في فحاويها { أُوْلَـٰئِكَ } البعداء المجبولون عن الغواية والضلالة أصلاً وفرعاً، تابعاً ومتبوعاً { لَهُمْ } في النشأة الأخرى { عَذَابٌ مُّهِينٌ } [لقمان: 6] يهينهم فيها بدل ما استهانوا بكتاب الله، واستهزءوا برسله ظلماً وزوراً بلا تدرب وتدبر.
{ وَ } من شدة شكيمته، وبغضه بالله ورسوله وكتابه، ونهاية عتوه وعناده { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } وقرئ عنده { ءَايَاتُنَا } الدالة على توحيد ذاتنا، وكمال أسمائنا وصفاتنا { وَلَّىٰ } عنها، وأعرض عن استماعها، وانصرف عن قبولها { مُسْتَكْبِراً } عليها، متجافياً كشحه عنها، { كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا } مع أنها تُتلى عليهم قصد الاستماع، ولم يلتفت إليها { كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً } صمماً يعوقه عن السماع والاستماع { فَبَشِّرْهُ } يا أكمل الرسل بعدما أعرض عن كتاب الله، واستنكف عن استماعه وإصغائه مستخفاً عليه، مستحقراً إياه { بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [لقمان: 7] مؤلم في غاية الشدة والألم.