التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ
٨
خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ
١٠
هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ
١١
-لقمان

تفسير الجيلاني

ثمَّ عقب سبحانه وعيد الكفرة الهالكين في تيه الغي والضلال بوعد المؤمنين على مقتضى سنته المستمرة فقال: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بتوحيد الله، وصدقوا رسله { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المرضية له سبحانه، المقبولة عنده على مقتضى ما نزل عليهم من الآيات الواردة إياهم، المصفية لظواهرهم وبواطنهم { لَهُمْ } في النشأة الأخرى جزاء ما أتوا به من الإيمان والعمل الصالح في النشأة الأولى { جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ } [لقمان: 8] متنزهات مملوءة بألوان النعم، وأصناف الجود والكرم، لا يتحولون منها أصلاً، بل صاروا { خَالِدِينَ فِيهَا } مترفهين بنعيمها لا يمسهم فيها نصب ولا وصب { وَعْدَ ٱللَّهِ } الذي وعد لخلَّص عباده من عنده على مقتضى علمه وإرادته لا بدَّ له أن ينجزه { حَقّاً } صدقاً بلا خلف وتردد { وَ } كيف يخلف في وعده { هُوَ ٱلْعَزِيزُ } الغالب القادر على جميع ما دخل في حيطة علمه وإرادته { ٱلْحَكِيمُ } [لقمان: 9] المتقن في إيجاده وإظهاره على الوجه الذي أراد.
ومن جملة حكمته المتقنة المتفرعة على حضرة علمه المحيط، وقدرته الشاملة، وإرادته الكاملة أنه { خَلَقَ } وأظهر { ٱلسَّمَٰوَٰتِ } أي: عالم الأسباب { بِغَيْرِ عَمَدٍ } وأسانيد على الوجه الذي { تَرَوْنَهَا } معلقة على الأرض بلا استناد واتكاء { وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ } التي هي عالم المسببات { رَوَاسِيَ } شامخات، وجبالاً راسيات؛ كراهة { أَن تَمِيدَ بِكُمْ } وتميل عليكم وقت ترددكم وتحرككم عليها { وَبَثَّ فِيهَا } أي: بسط عليها، ونشر { مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } تتحرك عليها متبادلة متقابلة كيف اتفق؛ لتستقر وتتمكن؛ لأن طبيعتها في حد ذاتها كانت على الحركة والاضطراب؛ إذ هي محفوفة بالماء السائل المجبول على الحركة والسيلان، وبالهواء المتموج بالطبع، وبالنار المضطربة، وبالأفلاك المتحركة بطبقاتها { وَ } بعدما شهدناها وألقينا عليها من الرواسي العظام تتميماً لتقريرها { أَنزَلْنَا مِنَ } جانب { ٱلسَّمَآءِ مَآءً } مستحدثاُ من الأبخرة والأدخنة المتصاعدة المتراكمة، المتسحيلة بالماء بمجاورة الكرة الزمهريرية { فَأَنْبَتْنَا } وأخرجنا بإنزال الماء عليها { فِيهَا } أي: في الأرض المنبسطة اليابسة بالطبع { مِن كُلِّ زَوْجٍ } صنف من النبات مزدوج مع شاكلته { كَرِيمٍ } [لقمان: 10] كثير المنافع الفوائد، مصلح للأمزجة، قموم لها؛ لتعيشوا عيلها مترفيهن متنعمين، شاكرين لنعمنا، غير كافرين بمقتضى جودنا وكرمنا.
ثمَّ قال سبحانه من مقام العظمة والكبرياء، وكمال المجد والبهاء على سبيل الإسكات والتبكيت لمن أشرك معه غيره عناداً ومكابرةً: { هَـٰذَا } الذي سمعتم أيها المجبولون على السمع والإصغاء { خَلْقُ ٱللَّهِ } القادر المقتدر ذي الحول والقوة الغالبة، والطول العظيم { فَأَرُونِي } أيها المشركون المسرفون، المفرطون في دعوى الشرك معه سبحانه { مَاذَا خَلَقَ } أي: أيّ شيء أظهر وأوجد الشركاء { ٱلَّذِينَ } تعبدونهم وتدعون نحوهم في الخطوب، وتذعنون أنهم آلهة { مِن دُونِهِ } سبحانه مستحقة للعبادة والرجوع، قادرة على لوازم الألوهية والربوبية، فسكتوا بعدما سمعوا ما سمعوا باهتين، وانقلبوا حينئذٍ صاغرين { بَلِ ٱلظَّالِمُونَ } المجبولون على الظلم والخروج عن مقتضى الحدود الإلهية، سيما بدعوى الشركة واتخاذ إلهٍ سواه - العياذ بالله منه - { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [لقمان: 11] وغوايةٍ ظاهرةٍ، وطغيانٍ عظيمٍ.