التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَٱلْمُسْلِمَاتِ وَٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْقَانِتَاتِ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلصَّادِقَاتِ وَٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّابِرَاتِ وَٱلْخَاشِعِينَ وَٱلْخَاشِعَاتِ وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ وٱلصَّائِمِينَ وٱلصَّائِمَاتِ وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَٱلْحَافِـظَاتِ وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
٣٥
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً
٣٦
-الأحزاب

تفسير الجيلاني

{ إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ } المسلّمين المخصلين، المفوضين أمورهم كلها إليه سبحانه { وَٱلْمُسْلِمَاتِ } المفوضات المخلصات { وَٱلْمُؤْمِنِينَ } الموقنين الموحدين { وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } الموقنات الموحدات { وَٱلْقَانِتِينَ } الخاضعين، المتذللين مع الله في جميع الطاعات والعبادات، بل في جميع الحالات { وَٱلْقَانِتَاتِ } الخاضعات الخاشعات { وَٱلصَّادِقِينَ } في جميع الأقوال، المخلصين في جميع الأحوال والأعمال { وَٱلصَّادِقَاتِ } أيضاً كذلك { وَٱلصَّابِرِينَ } فلي البأساء والضراء لجميع ما جرى عليهم من القضاء { وَٱلصَّابِرَاتِ } أيضاً كذلك { وَٱلْخَاشِعِينَ } المتواضعين، المتضرعين نحو الحق بجوائجهم وجوارحهم { وَٱلْخَاشِعَاتِ } أيضاً كذلك { وَٱلْمُتَصَدِّقِينَ } بما عندهم من فواضل الصدقات طلباً لمرضات الله، وهرباً من سخطه { وَٱلْمُتَصَدِّقَاتِ } أيضاً كذلك.
{ وٱلصَّائِمِينَ } الممسكين نفوسهم مطلقاً عما لا يرضى عنه سبحانه { وٱلصَّائِمَاتِ } الممسكات أنفسهم كذلك { وَٱلْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ } عن أمارات الزنا، ومقدما السفاح مطلقاً { وَٱلْحَافِـظَاتِ } أيضاً { وَٱلذَّاكِـرِينَ } المشتغلين بذكر الله باللسان والجنان والأركان { ٱللَّهَ } باسمه الجامع الشامل لجميع الأسماء والصفات لا على سبيل التعديد والإحصاء، ولا في جين دون حين، بل { كَثِيراً } مستوعباً لجميع الأعيان والأزمان، والأوقات والحالات { وَٱلذَّاكِرَاتِ } أيضاً كذلك { أَعَدَّ ٱللَّهُ } المصلح لأحوالهم، المطلع لما جرى في ظهورهم وبواطنهم ن الإخلاص على وجه التذلل والانكسار { لَهُم } أي: لهؤلاء المتصفين بالصفات المرضية، والأخلاق المحمودة المقبولة عند الله { مَّغْفِرَةً } ستراً وعفواً لما صدر عنهم من الصغائر هفوةً، ومن الكبائر أيضاً بعدما تابوا عنها، وأخلصوا في التوبة والإنابة على وجه الندامة { وَأَجْراً } جزيلاً جميلاً لصالحات أعمالهم { عَظِيماً } [الأحزاب: 35] بأضعاف ما استحقوا بحسناتهم تفضلاً عليهم وامتناناً.
ثمَّ لمَّا أراد رسول الله أن يزوج بنت عمته التي هي أميمة بنت عبد المطلب، المسماة زينب بنت جحش لزيد بن الحارثة الذي هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتيقه، فأبت هي وأمها أميمة، وأخوها عبد الله بن جحش، فأعرضوا عن تزويجها إليه، ولم يختاروا؛ لئلا يلحق العار عليهم من تزويج الشريفة بالمولى، فنزلت: { وَمَا كَانَ } يعني: ما صحَّ وجاز { لِمُؤْمِنٍ } أي: لواحد من المؤمنين { وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } واحدة من المؤمنات بعدما أخلصوا الإيمان بالله ورسوله أن يتخلفوا عن حكمهما أصلاً، سيما { إِذَا قَضَى ٱللَّهُ } الحكيم المتقن في أفعاله.
{ وَ } نفذ { رَسُولُهُ أَمْراً } من الأمور المقضية، وحكماً من الأحكام المبرمة { أَن يَكُونَ } ويبقى { لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } أي: الاختيار والترجيح بأن يختاروا { مِنْ أَمْرِهِمْ } المحكوم به، المقضي عليه شيئاً يخالف الحكم الواقع منهما أو يوافقه، بل لهم؛ أي: يطيعوا وينقادوا لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو حكم الله حقيقة { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } بتغيير ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وادعاء الاختيار في المأمور به { فَقَدْ ضَلَّ } عن طريق الهداية { ضَلاَلاً مُّبِيناً } [الأحزاب: 36] وانحرف عن منهج الصواب والرشاد انحرافاً عظيماً، وبعدما نزلت الآية رضيت زينب وأمها وأخوها، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنكحها على زيد.