التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً
٥٠
-الأحزاب

تفسير الجيلاني

ثمَّ أشار سبحانه إلى تعداد ما أحل لحبيبه صلى الله عليه وسلم من الأزواج، فقال منادياً له تبجيلاً وتعظيماً: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } المفضل المكرم من لدنا على سائر الأنبياء والرسل بالعنايات العليَّة والكرامات السنيَّة { إِنَّآ } من مقام عظيم جودنا { أَحْلَلْنَا } وأبحنا { لَكَ } في شرعك ودينك { أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ } وأعطيت { أُجُورَهُنَّ } أي: مهورهن معجلاً { وَ } أبحنا لك أيضاً { مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } من الإماء المردودة إليك { مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ } المنعم المفضل { عَلَيْكَ } ورده سبحانه من خيار المسببات وصفيات المغنم إليك، وصفية - رضي الله عنها - منهن { وَ } أحللنا لك أيضاً في دينك { بَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ } من مكة حباً لك، وطلباً لمرضاة ربك، وما أبحنا لك ممن لم تهاجر معك.
{ وَ } أبحنا لك أيضا خاصة { ٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً } قيّد بها؛ لأن الكافرة لا تليق بفراشه صلى الله عليه وسلم { إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } تبرعاً بلا جعلٍ ومهرٍ، فعليه الخيار { إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا } أي: يطلب أن يدخل عليها ويقبلها للفراش أحللناها { خَالِصَةً } خاصة { لَّكَ } يا أكمل الرسل؛ تكريماً لك وتعظيماً لشأنك { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: لم نبحها لغيرك من أمتك، بل هي من جملة الأمور التي اختصصت بها، كالتزوج فوق الأربعة وغيرها، وإنما نخص أمثال هذا لك يا أكمل الرسل ولم نعممها من أمتك؛ لأنَّا من وفور حكتنا { قَدْ عَلِمْنَا } بعلمنا الحضوري من ظواهر أحوال المؤمنين وبواطنهم استعدادهم على { مَا فَرَضْنَا } وقدرنا { عَلَيْهِمْ } حتماً { فِيۤ } حقوق { أَزْوَاجِهِـمْ } من المهر والولي والشهود، وجميع متمما النكاح ومكملاته.
{ وَ } علمنا أيضاً منهم سبب ما قدرنا عليهم في حق { مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من المسببات الزائدة، ألاَّ يدخلوا عليهن إلا أن يُتملكوا بوجه آخر، لكن أنزلنا عندك يا أكمل الرسل بعض ما أوحينا عليهم، وخصصناك بها دونهم { لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ } ضيق في تحميلها، مع أنا نعلم من ظواهرك وبواطنك أنك لا تهمل شيئاً من حقوق الله ولا حقوق عباده، ولا يقع منك ظلم على أحدٍ من خلق الله؛ لذلك لم نضيق عليك أمر النكاح وضيقنا على المؤمنين{ وَكَانَ ٱللَّهُ } المراقب لأحوال عباده، المصلح لمفاسدهم { غَفُوراً } يستر ويعفو عنهم بعضه ما يعسر عليهم التحرز في رعاية حقوق المؤمنين والمؤمنات { رَّحِيماً } [الأحزاب: 50] يرحمهم ويعين عليهم في حفظها ورعايتها.