{وَ} لكن {مَا يَسْتَوِي} في القرب والرتبة بالنسبة إليه سبحانه {ٱلأَعْمَىٰ} الغافل الجاهل عن كيفية الرجوع والتوجه {وَٱلْبَصِيرُ} [فاطر: 19] العارف العالم بأمارات الصعود والعروج.
{وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ} المتراكمة المتكاثفة بعضها فوق بعض، وهي: ظلمة الطبيعة وظلمة الهيولي وظلمة التعينات، والهويات الممتزجة المتكاثفة إلى حيث يصير حجاباً غليظاً وغشاء كثيفاً يعمي أبصار المجبولين على الإبصار، والاعتبار على متقضى الشئون القهرية الجلالية {وَلاَ ٱلنُّورُ} [فاطر: 20] المتشعشع المتجلي من وحدة الذات حسب شئونه اللطيفة الجمالية.
{وَلاَ ٱلظِّلُّ} الإلهي، والمروح لأرواح أرباب المحبة والولاء بنفحات نسائم أنواع الفتوحات والكرامات {وَلاَ ٱلْحَرُورُ} [فاطر: 21] أي: السموم المهلكة المنشأة من فوحان الأماني الإمكانية، الممتزجة بيحموم الطبيعة المتصاعدة من أبخرة الأهوية ونيران الشهوات.
{وَ} بالجملة: {مَا يَسْتَوِي} عند الله العليم الحكيم {ٱلأَحْيَآءُ} بحياة المعرفة والإيمان واليقين والعرفان، حياة أزلية أبدية سرمدية، لا أمر لها حتى تنقضي ولا حدوث لها حتى تنعدم {وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ} بموت الجهل والضلال، وأنواع الغفلة والنسيان، الهالكين في هوية الإمكان، الخالدين في زاوية نيران الخمول والحرمان {إِنَّ ٱللَّهَ} العليم الحكيم المتقن في أفعاله {يُسْمِعُ} ويهدي {مَن يَشَآءُ} من عباده؛ عنايةً لهم وامتناناً عليهم إلى صراط توحيده {وَمَآ أَنتَ} يا أكمل الرسل {بِمُسْمِعٍ} هاد مرشد {مَّن فِي ٱلْقُبُورِ} [فاطر: 22] أي: من كان راسخاً متمكناً في هاوية الجهل المركب، وجحيم الإمكان وأحداث الغفلة والنسيان؛ إذ هم مجبولون على الغواية الفطرية الجهالة والجبلية لا يتأتى لك إهداؤهم وإرشادهم أصلاً.
بل {إِنْ أَنتَ} أي: ما أنت أيها المختار لتبليغ الرسالة {إِلاَّ نَذِيرٌ} [فاطر: 23] لهم من قبلنا، فلك أن تبلغ الإنذارات والوعيدات الهائلة النالزة منا إياهم، ولا تجتهد في هدايتهم وقبولهم؛ إذ ما عليك إلا البلاغ الحساب.
{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ} من كمال لطفنا معك ملتبساً {بِٱلْحَقِّ} الصدق المطابق للواقع، داعياً لعموم عبادنا إلى توحيدنا {بَشِيراً} بما أعددنا لهم من المراتب العلية والمقامات السنية {وَنَذِيراً} لهم أيضاً بما أعتدنا من دركات النيران الموجبة لزفرات القلوب وحسرات الجنان {وَ} إرسالنا إياك ليس ببدع منا، بل {إِن مِّنْ أُمَّةٍ} أي: ما من أمة من ألامم الماضية {إِلاَّ خَلاَ} ومضى {فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] ينذرهم عا لا يعنيهم.
{وَ} بعدما سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت {إِن يُكَذِّبُوكَ} أولئك الكفرة المصرون على الشرك والعناد، وأنكروا بك وبكتابك، لا تبال بهم وبإنكارهم {فَقَدْ كَذَّبَ} الكفرة {ٱلَّذِينَ} مضوا {مِن قَبْلِهِمْ} أي: قبل هؤلاء المشركين رسلهم مع أنه {جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم} المبعوثون إليهم حال كونهم مؤيدين {بِٱلْبَيِّنَاتِ} أي: الدلائل الواضحات من المعجزات المثبتة لنبوتهم ورسالاتهم {وَبِٱلزُّبُرِ} والصحف المنزلة إليهم، المشتملة على أصول أديانهم وبيان طرقهم {وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ} [فاطر: 25] المظهر لسرائر التوحيد بحججه وبراهنيه القاطعة وحكمه وأحكامه الساطعة آثارها.
{ثُمَّ} بعدما كذكبوا رسلهم وأنكروا الكتب التي جاءوا بها من عندنا على مقتضى وحيينا، وأصروا على كفرهم وشركهم {أَخَذْتُ} بمقتضى عزتي وقدرتي {ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} أي: أعرضوا عن الحق مستكبرين، مصرين على الباطل {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [فاطر: 26] أي: إنكاري بالنسبة إلى إنكار أولئك الهلكى، العاجزين في تيه الغفلة والضلال، وإهلاكي إياهم بحيث لم يبق منهم أحد يخلفهم، ويحيي اسمهم ورسمهم.