التفاسير

< >
عرض

وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ
١٩
وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ
٢٠
وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ
٢١
وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ
٢٢
إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ
٢٣
إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ
٢٤
وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ
٢٥
ثُمَّ أَخَذْتُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ
٢٦
-فاطر

تفسير الجيلاني

{ وَ } لكن { مَا يَسْتَوِي } في القرب والرتبة بالنسبة إليه سبحانه { ٱلأَعْمَىٰ } الغافل الجاهل عن كيفية الرجوع والتوجه { وَٱلْبَصِيرُ } [فاطر: 19] العارف العالم بأمارات الصعود والعروج.
{ وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ } المتراكمة المتكاثفة بعضها فوق بعض، وهي: ظلمة الطبيعة وظلمة الهيولي وظلمة التعينات، والهويات الممتزجة المتكاثفة إلى حيث يصير حجاباً غليظاً وغشاء كثيفاً يعمي أبصار المجبولين على الإبصار، والاعتبار على متقضى الشئون القهرية الجلالية { وَلاَ ٱلنُّورُ } [فاطر: 20] المتشعشع المتجلي من وحدة الذات حسب شئونه اللطيفة الجمالية.
{ وَلاَ ٱلظِّلُّ } الإلهي، والمروح لأرواح أرباب المحبة والولاء بنفحات نسائم أنواع الفتوحات والكرامات { وَلاَ ٱلْحَرُورُ } [فاطر: 21] أي: السموم المهلكة المنشأة من فوحان الأماني الإمكانية، الممتزجة بيحموم الطبيعة المتصاعدة من أبخرة الأهوية ونيران الشهوات.
{ وَ } بالجملة: { مَا يَسْتَوِي } عند الله العليم الحكيم { ٱلأَحْيَآءُ } بحياة المعرفة والإيمان واليقين والعرفان، حياة أزلية أبدية سرمدية، لا أمر لها حتى تنقضي ولا حدوث لها حتى تنعدم { وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } بموت الجهل والضلال، وأنواع الغفلة والنسيان، الهالكين في هوية الإمكان، الخالدين في زاوية نيران الخمول والحرمان { إِنَّ ٱللَّهَ } العليم الحكيم المتقن في أفعاله { يُسْمِعُ } ويهدي { مَن يَشَآءُ } من عباده؛ عنايةً لهم وامتناناً عليهم إلى صراط توحيده { وَمَآ أَنتَ } يا أكمل الرسل { بِمُسْمِعٍ } هاد مرشد { مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } [فاطر: 22] أي: من كان راسخاً متمكناً في هاوية الجهل المركب، وجحيم الإمكان وأحداث الغفلة والنسيان؛ إذ هم مجبولون على الغواية الفطرية الجهالة والجبلية لا يتأتى لك إهداؤهم وإرشادهم أصلاً.
بل { إِنْ أَنتَ } أي: ما أنت أيها المختار لتبليغ الرسالة { إِلاَّ نَذِيرٌ } [فاطر: 23] لهم من قبلنا، فلك أن تبلغ الإنذارات والوعيدات الهائلة النالزة منا إياهم، ولا تجتهد في هدايتهم وقبولهم؛ إذ ما عليك إلا البلاغ الحساب.
{ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ } من كمال لطفنا معك ملتبساً { بِٱلْحَقِّ } الصدق المطابق للواقع، داعياً لعموم عبادنا إلى توحيدنا { بَشِيراً } بما أعددنا لهم من المراتب العلية والمقامات السنية { وَنَذِيراً } لهم أيضاً بما أعتدنا من دركات النيران الموجبة لزفرات القلوب وحسرات الجنان { وَ } إرسالنا إياك ليس ببدع منا، بل { إِن مِّنْ أُمَّةٍ } أي: ما من أمة من ألامم الماضية { إِلاَّ خَلاَ } ومضى { فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24] ينذرهم عا لا يعنيهم.
{ وَ } بعدما سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت { إِن يُكَذِّبُوكَ } أولئك الكفرة المصرون على الشرك والعناد، وأنكروا بك وبكتابك، لا تبال بهم وبإنكارهم { فَقَدْ كَذَّبَ } الكفرة { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } أي: قبل هؤلاء المشركين رسلهم مع أنه { جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم } المبعوثون إليهم حال كونهم مؤيدين { بِٱلْبَيِّنَاتِ } أي: الدلائل الواضحات من المعجزات المثبتة لنبوتهم ورسالاتهم { وَبِٱلزُّبُرِ } والصحف المنزلة إليهم، المشتملة على أصول أديانهم وبيان طرقهم { وَبِٱلْكِتَابِ ٱلْمُنِيرِ } [فاطر: 25] المظهر لسرائر التوحيد بحججه وبراهنيه القاطعة وحكمه وأحكامه الساطعة آثارها.
{ ثُمَّ } بعدما كذكبوا رسلهم وأنكروا الكتب التي جاءوا بها من عندنا على مقتضى وحيينا، وأصروا على كفرهم وشركهم { أَخَذْتُ } بمقتضى عزتي وقدرتي { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي: أعرضوا عن الحق مستكبرين، مصرين على الباطل { فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [فاطر: 26] أي: إنكاري بالنسبة إلى إنكار أولئك الهلكى، العاجزين في تيه الغفلة والضلال، وإهلاكي إياهم بحيث لم يبق منهم أحد يخلفهم، ويحيي اسمهم ورسمهم.