التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً
٤٤
وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً
٤٥
-فاطر

تفسير الجيلاني

{ أَ } ينكرون سنة الله في الأمم الماضية الهالكة بتعذيب الله إياهم بسبب تكذيب الرسل والإنكار عليهم { وَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ } بنظرة العبرة { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } القوم { ٱلَّذِينَ } مضوا { مِن قَبْلِهِمْ } مكذبين لرسله { وَ } الحال أ نهم قد { كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ } أي: من هؤلاء المكذبين لك يا أكمل الرسل { قُوَّةً } وقدرة، وأكثر شوكة وأموالاً وأولاداً { وَ } مع ذلك { مَا كَانَ ٱللَّهُ } المتعزز برداء العز والعلاء على جميع ما جرى في ملكه من الأشياء { لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ } بأن يفوت عنه شيء حقير ويعزب عن حضرة علمه ذرة يسير لا { فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ } أي: العلويات { وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: السفليات، وكيف يفوت عن خبرته سبحانه شيء { إِنَّهُ } في ذاته { كَانَ عَلِيماً } لا يعزب عن حضرة علمه شيء { قَدِيراً } [فاطر: 44] على إظهار ما في خزانة علمه بلا فترة وفتور، وفطور وقصور.
{ وَ } من كمال حلم الله على عباده، ونهاية رأفته ورحمته منهم أنه { لَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ } المطلع لجميع ما جرى في ملكه من الجرائم الموجبة للأخذ والانتقام { ٱلنَّاسَ } الذين كلفوا من عنده سبحانه بترك الجرائم والآثام المانعة من الوصول إلى المبدئ الحقيقي { بِمَا كَسَبُواْ } أي: شؤم ما اكتسبوا لأنفسهم من المعاصي التي منعوا عنها { مَا تَرَكَ } سبحانه { عَلَىٰ ظَهْرِهَا } أي: على ظهر الأرض { مِن دَآبَّةٍ } أي: متحركة من المكلفين غير مأخوذة بجرم، بل بجرائم كثيرة عظيمة؛ إذ قلما يخلوا إنسان عن طغيان ونسيان { وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ } أي: يؤخر أخذهم سبحانه ويمهلهم { إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } معين مقدر للأخذ والانتقام، وهو يوم القيامة { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } الموعود المعين عند الله، المعلوم له سبحانه فقط، بلا إفشاء وإطلاع منه لأحد من أنبيائه ورسله، أُخذوا حينئذ بما اقترفوا من الجرائم والمعاصي بلا فوت شيء منها { فَإِنَّ ٱللَّهَ } المراقب، المحافظ على جميع ما جرى في ملكه وملكوته { كَانَ بِعِبَادِهِ } في جميع أوقات وجودهم، بل باستعداداتهم وقابلياتهم، وما جرى عليهم فيها { بَصِيراً } [فاطر: 45] شهيداً مطلعاً يجازيهم على مقتضى إطلاعه وخبرته بأعمالهم ونياتهم فيها.
ربنا أصلح لنا عواقب أمورنا ويسر علينا كل عسير.
خاتمة السورة
عليك أيها السالك، المتشمر لإعداد زاد يوم الميعاد، وفقك الله على إتمامه أن تلف شملك وتجمع همك للركون إلى الآخرة التي هي دار الخلود والقرار، وتجتهد في رفع الموانع والشواغل العائقة عن هذا الميل، وفلك أن تنقطع عن مألوفاتك ومشتهياتك التي هي أسباب الأخذ والبطش الإلهي، وتنخلع عن لوازم تعيناتك المشتملة على أنواع الفتن والمحن حسب ما يسَّر الله عليك، معرضاً عن الدنيا الدنية ومستلذاتها البهية ومشتهياتها الشهية؛ إذ لا قرار لها ولا مدار لما يترتب عليها، بل كلها زائدل فإنٍ، مورث لأنواع الحسرات في النشأة الأولى، ولأشد العذاب والزفرات في النشأة الأخرى.
والمؤيد من عند الله بالعقل المفاض المميز بين الصلاح والفساد، وبين الفاني والباقي، والمرشد والهادي إلى فضاء التوحيد، والمتذكر له، كيف يختار الفاني على الباقي واللذات الجسمانية الزائلة سريعاً، الجالبة للأحزان الطويلة على اللذات الروحانية القارة المستتبعة للحالات العلية، والمقامات السنية التي لا يعرضها انقراض ولا انقضاء ولا نفوذ ولا انتهاء؟!.
ربِّ اختم بفضلك عواقب أمورنا بالخير والحسنى، إنك على ما تشاء قدير وبرجاء الراجين جدير.