التفاسير

< >
عرض

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٥٠
قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ
٥١
يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ
٥٢
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ
٥٣
قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ
٥٤
فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ
٥٥
قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ
٥٦
وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ
٥٧
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ
٥٨
إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
٥٩
إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٦٠
لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ
٦١
-الصافات

تفسير الجيلاني

وبعدما يشربون من المعين وشملهم كيفيتها، أخذوا يتحدثون { فَأَقْبَلَ } والتفت { بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } [الصافات: 50] ويتقاولون مما جرى عليهم في النشأة الدنيا، وما ادخروا فيها للنشأة الأخرى من المعارف والحقائق والأعمال والأحوال والمواجيد، والأخلاق والعبر والأمثال.
{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ } على سبيل التذكر والتحاكي عن إنكار المنكرين يوم البعث والنشور { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [الصافات: 51] في دار الدنيا، منكر لهذه النشأة، وأنا معتقد لها، منتظر لقيامها.
{ يَقُولُ } يوماً على سبيل النصح والإكار والاستبعاد: { أَءِنَّكَ } أيها المجبول على الدراية والشعور { لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } [الصافات: 52] والمعتقدين الموقنين.
{ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَ } تعتقد أنت وتصدق { ءِنَّا لَمَدِينُونَ } [الصافات: 53] أي: مجزيون بأعمالنا التي كنا نعمل، مسئولون عنها، محاسبون عليها؟!.
كلا وحاشا، ما هي إلى حياتنا في الدنيا وما نحن مبعوثين، ثم { قَالَ } لقرنائه في الجنة، مستفهماً عن حال قرينه المنكر للبعث: { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } [الصافات: 54] يعني: هل أنتم تريدون وتطلبون أيها المسرورون في الجنة أن تطلعوا عن ذلك القرين في النار، قالوا له: أنت أحق بإطلاع حاله؛ إذ هو مصاحبك وقرينك.
{ فَٱطَّلَعَ } بعد نظر من الكوى المفتوحة في الجنة نحو النار { فَرَآهُ } أي: قرينه المنكر { فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [الصافات: 55] أي: وسطه معذباً بأنواع العذاب.
{ قَالَ } له بعد ما رآه في النار مقسم على سبيل التأكيد والمبالغة: { تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } [الصافات: 56] يعني: والله إنك أيها الجاهل المفرد، قد قاربت من إهلاكي بإغرائك وإغوائك ونصحك إليّ، وتذكيرك على ما يدل على إنكار البعث واستدلالك على استحالته.
{ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي } وتوفيقه إياي بالعصمة والثبات على عزيمة الإيمان والتوحيد { لَكُنتُ } مثلك { مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } [الصافات: 57] معك في وسط الجحيم؛ يعني أنا أيضاً من جملة أهل النار مثلك.
ثم أخذ يباهي على قرينه بالنعيم المقيم واللذة المستمرة، بلا تريان موت وعذاب، فقال مستفهماً: { أَ } تعلم أنَّا في الجنة مخلدون منعمون { فَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } [الصافات: 58] أي: مائتين متحولين عنها، بل لا موت لنا { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ } التي متنا عن الدنيا { وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } [الصافات: 59] أيضاً أمثالكم.
{ إِنَّ هَـٰذَا } الخلود والتنعم والسرور بلا طريان ضد عليه { لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [الصافات: 60] والكرم الجسيم من الله العليم الحكيم إيانا.
ثم قيل من قبل الحق؛ ترغيباً للمؤمنين على الطاعات وحثاً لهم إلى الإيتان بالأعمال الصالحات، وتطييباً لقلوبهم بترتب أمثال هذه الحسنات على أعمالهم وأخلاقهم ومواجيدهم وحالاتهم، وبالجملة: { لِمِثْلِ هَـٰذَا } الفوز العظيم والنول الكريم { فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ } [الصافات: 61] في النشأة الأولى، لا للحظوظ الفانية واللذات الزائلة الدنيوية، المقتضية لأنواع الآلام والحسرات.