التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
٦٥
رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ
٦٦
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ
٦٧
أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ
٦٨
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ
٦٩
إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٧٠
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ
٧١
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ
٧٢
فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
٧٣
إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ
٧٤

تفسير الجيلاني

ثم لما بالغ سبحانه في حقية ما حكى عن أهل النار، أمر حبيبه صلى الله عليه وسلم بأن بلغ للأنام التوحيد المبعد لهم عن النار والعذاب المؤبد فيها، فقال: { قُلْ } يا أكمل الرسل للمشركين المستحقين لعذاب النار إنقاذاً لهم عنها، وإن قبلوا منك قولك: { إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ } لكم بإذن الله ووحيه عن أمثال ما ذكر من العذاب في النشأة الأخرى { وَ } أعلموا أنه { مَا مِنْ إِلَـٰهٍ } يُعبد بالحق، ويُرجع إليه في الخطوب، ويُلتجأ نحوه في النوائب والمصائب { إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ } الأحد الصمد الحي القيوم الذي لا شريك له في الوجود، ولا شيء غيره في الشهود { ٱلْقَهَّارُ } [ص: 65] للأغيار مطلقاً؛ إذ { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [القصص: 88] رجوع الأظلال إلى الشمس، والأمواج إلى البحر.
وهو بتوحيده واستقلاله { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا } أي: مظهر كل ما في العلو والسفل وما في حشوهما، والمحاط بهما؛ إذ الكل منه بدأ وإليه يعود، وكيف لا وهو { ٱلْعَزِيزُ } الغالب على أمره في خلقه وحكمه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد؛ إذ هو { ٱلْغَفَّارُ } [ص: 66] الستَّار المحَّاء لهويات الأغيار، وهياكل الأظلال الغير القار.
{ قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما بينت لهم توحيد الحق، واستقلاله في تصرفاته وتدابيره: { هُوَ } أي: الذي بلغت لكم بوحي الله من إحاطة الحق، وشموله لجميع ما لمع عليه بروق تجلياته { نَبَأٌ عَظِيمٌ } [ص: 67] وخبر خطير، يخبركم به الحق، وينبهكم عليه من كمال إعطافه وإشفاقه؛ لينقذكم به عن عذابه المترتب على كفركم وشرككم.
{ أَنتُمْ } من كمال توغلكم في الجهل والظلال { عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ص: 68] مع أنه أنفع لكم وأصلح بحالكم، وهو سبحانه أعلم بشأنكم منكم، ويمقتضى علمه بحالكم، أنزل كتابه عليكم ليرشدكم إلى جهة معرفته ووجهة توحيده، ومالي إلا تبليغ ما أُوحي إلي كسائر الرسل.
إذ { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ } أي: الملائكة السامويين { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ص: 69] وقت خلافة آدم ونبوته ونيابته، فألهمني الله بوحيه ما جرى عليهم من الحجج والمعارض، وإفحامهم بعد جدالهم واصطفاء الله إياه، وأمرهم بسجوده تكريماً وتعظيماً.
وبالجملة: { إِن يُوحَىٰ } إي: ما يوحى { إِلَيَّ } من عند ربي { إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ص: 70] أي: إنما أنا منذر لكم عن أن يفتنكم الشيطان وجنوده المرتكزة في هياكلكم، فيضلوكم عن سبل السلامة وطرق الاستقامة الموصلة إلى وحدة ذات الحق وكمال أسمائه وصفاته.
اذكر يا أكمل الرسل { إِذْ قَالَ رَبُّكَ } الذي رباك على مقتضى الجمعية المنتهية إلى الوحدة الذاتية التي جئت لإظهارها وإيضاح منهجها { لِلْمَلاَئِكَةِ } المهيمين بمطالعة وجهه الكريم على سبيل المشورة معه؛ ليظهر كرامة آدم وجلالة قدره: { إِنِّي } بمقتضى بدائع صنعتي وغرائب قدرتي { خَالِقٌ } أي: مظهر موجد { بَشَراً } أي: جسداً متخذاً { مِّن طِينٍ } [ص: 71] ليكون مرآة يتراءة فيها عموم أوصافي وأسمائي.
{ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } وعدلت قالبه على الوجه الذي جرى في حضرة علمي ولوح قضائي { وَنَفَخْتُ فِيهِ } بعد تعديله { مِن رُّوحِي } أي: أفيض عليه من حياتي ومن مقتضيات أسمائي وصفاتي؛ ليستحق بخلافتي ونيابتي، ويظهر فيه ومنه آثار أسمائي وصفاتي { فَقَعُواْ لَهُ } وخرُّوا عنده؛ لتعظميه وتكريمه { سَاجِدِينَ } [ص: 72] متذللين له، واضعين جباهكم على تراب المذلة دونه.
ثم لما سمع الملائكة منه سبحانه ما سمعوا { فَسَجَدَ } له { ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [ص: 73] امتثالاً للأمر الوجوبي { إِلاَّ إِبْلِيسَ } المعدود من عدادهم، والمنخرط في سلوكهم { ٱسْتَكْبَرَ } عن سجوده وتعظيمه { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } [ص: 74] بترك الانقياد للأمر الإلهي.