التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ
١١
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ
١٢
قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٣
قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي
١٤
فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ
١٥
لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ
١٦
-الزمر

تفسير الجيلاني

ثم قال سبحانه آمراً لحبيبه بالتوصية والتبليغ لعموم عباده كلاماً ناشئاً عن محض الحكمة، خالياً عن رعونات الرياء، متمحضاً للنصح والتكميل: { قُلْ } يا أكمل الرسل { إِنِّيۤ أُمِرْتُ } من قبل ربي { أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ } حق عبادته، وأطيعه حق إطاعته { مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } [الزمر: 11] والانقياد الصادر مني، لأتسبب بإطاعتي وانقيادي على وجه الإخلاص كي أعرفه حق معرفته، ويفيض على قلبي زلال توحيده وكرامته.
{ وَأُمِرْتُ } أيضاً من عنده { لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الزمر: 12] أي: أسبق المسلمين المفوضين أمورهم كلها إليه، منخلعين عن لوازم بشريتهم ومقتضيات أهوية هويتهم. ثم { قُلْ } يا أكمل الرسل { إِنِّيۤ } مع كمالم وثوقي بكرم الله وسعة رمته ووفور فضله وجوده علي { أَخَافُ } خوفاً شديداً { إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي } وخرجت عن عروة إطاعته وانقياده { عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } [الزمر: 13] فظيع؛ لعظم ما فيه من الجزاء المترتب على الجرائم العظام.
وبعدما بلغت ما بلغت { قُلِ } يا أكمل الرسل على وجه الحصر والتخصيص: { ٱللَّهَ أَعْبُدُ } لا غير؛ إذ لا غير معه { مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي } [الزمر: 14] حسب وعي وطاقتي.
{ فَٱعْبُدُواْ } أيها المنهمكون في بحر الغي والضلال { مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } سبحانه بمقتضى أهويتكم الفاسدة وآرائكم الكاسدة، واعلموا أنه ما يترتب على عبادة غير الله إلا الخيبة والخسران { قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بعبادة غير الله والانحراف عن جادة توحيده، { وَ } خسروا { أَهْلِيهِمْ } أيضاً بالإغواء الإضلال { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } المعدة لجزاء الأعمال { أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } [الزمر: 15] والحرمان العظيم، نعوذ بك منه يا ذا القوة المتين.
وكيف لا يكون خسران المشركين مبنياً وحرمانهم عظيماً؛ إذ { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ } وأطباق { مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ } كذلك بالنسبة إلى من في الطبقة السفلى؛ لأن دركات النيران مثل دركات الإمكان متطابقة بعضها فوق بعض، فيكون سكانها أيضاً كذلك { ذَلِكَ } العذاب الذي سمعت وصفه { يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } في دار الاختبار، ويحذرهم عنه، ثم ناداهم؛ ليقبلوا إليه ويعتبروا من تخويفه، فقال: { يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ } [الزمر: 16] واحذروا من بطشي وتعذيبي.