فكيف يتيسر لأحد أن يعرض عن ذكر الله وعن استماع كلامه؟! مع أنه: { ٱللَّهُ } الذي دبر أمور عباده، وأرشدهم إلى طريق معاده؛ حيث { نَزَّلَ } تتميماً لترتبيهم { أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } وأبلغه في الإفادة والبيان { كِتَاباً } جامعاً لما في الكتب السالفة { مُّتَشَابِهاً } بعض آياتها ببعض في حسن النظم، واتساق المعنى { مَّثَانِيَ } أي: ثنى سبحانه، وكرر الأحكام فيه تأكيداً ومبالغة، أمراً ونهياً، وعداً ووعيداً، وثواباً وعقاباً، عبراً وأمثالاً، قصصاً وتذكيراً.
وجعله في كمال الإيجاز والإعجاز والتأثير؛ بحيث { تَقْشَعِرُّ } أي: تنقبض وتضطرب على الاستمرار { مِنْهُ } أي: من سماعه { جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ } مهابة { رَبَّهُمْ } في جميع حالاتهم، خوفاً من سلطة سلطنة جلاله { ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ } تطمئن { قُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } رجاء من سعة رحمته، بمقتضى لطفه وجماله.
وبالجملة: { ذَلِكَ } أي: الكتاب الرفيع الشأن، الواضع البرهان { هُدَى ٱللَّهِ } الهادي لعباده { يَهْدِي بِهِ } ويوفق على الهداية والرشاد بمقضتى ما فيه { مَن يَشَآءُ } من عباده، ويضل به وعن الاستفادة بما فيه من يشاء إرادة واختيارً { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } بمقتضى قهره وجلاله { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [الزمر: 23] إذ لا يبدل قوله، لا ينازع حكمه، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
{ أَفَمَن يَتَّقِي } أي: يصل ويدخل { بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي: أشده وأسوأه؛ إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل في أيديهم، يسبحون إلى النار بحيث لا يصل منهم إليها أولاً إلا وجوههم، كمن آمن منه وسلم عن مطلق المكاره؟! كلا وحاشا { وَقِيلَ } حينئذ { لِلظَّالِمِينَ } الخارجين من مقتضى الحدود الإلهية ظلماً وعدواناً على سبيل التوبيخ والتقريع: { ذُوقُواْ } أيها المنهمكون في بحر الغفلة والشهوات جزاء { مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } [الزمر: 24] في دار الاختبار، بمقتضى أهويتكم الفاسدة وآرائكم الباطلة.