{ وَمَن يُهَاجِرْ } عن بقعة الإمكان التي هي أرض الطبيعة سالكاً { فِي سَبِيلِ اللَّهِ } الذي هو الصراط المستقيم الموصل إلى الفناء فيهن، متوجهاً إلى الفوز ببقائه الأزلي السرمدي { يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ } أرض الطبيعة { مُرَٰغَماً كَثِيراً } أي: بوادي وأودية من اللذات الوهمية، كثر وقوفه فيها إلى أن ينجو { وَ } يجد أيضاً { سَعَةً } مخرجاً من تلك المضائق حسب إخلاصه في سلوكه إلى أن يفوز بمطلوبه { وَ } بالجملة: أن { مَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ } أي: هويته الباطلة في نفسها حال كونه { مُهَاجِراً إِلَى } توحيد { ٱللَّهِ وَ } متابعة { رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ } الإرادي فمات عن لوازم البشرية مطلقاً { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ } كما قال سبحانه في الحديث القدسي: "من أحبني أحببته، ومن أحببته قتلته، ومن قتلته فعلي ديته، ومن علي ديته فأنا ديته" .
من هذا تفطن العارف أن ليس وراء الله مرمى، وإياك أن تتقيد بهويتك ولوازمها، ومتى تخلصت عنها وعن لوازمها وصلت، بل اتصلت { وَكَانَ ٱللَّهُ } المرشد لعباده إلى توحيده { غَفُوراً } لذنوب أنانيتهم وهيتهم { رَّحِيماً } [النساء: 100] لهم يوصلهم إلى ما يتوجهون نحو.
ثم قال سبحانه: { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ } سافرتم { فِي ٱلأَرْضِ } لا لمعصية، بل لمصلحة دينية من تجارة وغزو وحج وصلة وطلب علم، وغير ذلك { فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } ضيق وزر { أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } الرباعية ركعتين { إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } بالاحتيال والاغتيال { إِنَّ ٱلْكَافِرِينَ كَانُواْ } دائماً { لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً } [النساء: 101] ظاهر العداوة مترصدين للفرصة.