التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٣
وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ
١٤
-النساء

تفسير الجيلاني

{ تِلْكَ } المذكورات من الأمور المتعلقة بأحوال الأموات { حُدُودُ ٱللَّهِ } الموضوعة بينكم أيها المؤمنون بالله ورسوله { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ } في امتثال أوامره واجتناب نواهيه { وَرَسُولَهُ } في جميع ما جاء به من عند ربه من الأمور المتعلقة؛ لتهذيب الظاهر والباطن من الكدورات البشرية والعلائق الدينية { يُدْخِلْهُ } الله بفضله ولطفه { جَنَّاتٍ } منتزهات التوحيد وهي اليقين العلمي والعيني والحقي { تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } أنهار المعارف الجزئية من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، وهم لا يتحولون عنها، بل صاروا { خَالِدِينَ فِيهَا } أبداً { وَذٰلِكَ } أي: الخلود فيها، هو { ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [النساء: 13] والفضل الكريم، طوبى لمن فاز من الله بالفوز العظيم.
{ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ } بإنكار الأوامر، والإصرار على النواهي { وَرَسُولَهُ } بالتكذيب والإيذاء وعدم الإطاعة { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } الموضوعة بين عباده { يُدْخِلْهُ } الله باسمه المنتقم { نَاراً } هي نار البعد والطرد عن كنفه وجوده، فصار { خَالِداً فِيهَا } أبداً { وَلَهُ } بعصيانه وإصراره عليه { عَذَابٌ مُّهِينٌ } [النساء: 14] يبعده عن ساحة عن الحضور.
أدركنا بلطفك يا خفي الألطاف.
ثم لمَّا بيَّن سبحانه أحكام المواريث وأحكام أحوال المتوارثين، وعين سهامهم وأنصباءهم، أراد أن يحذر المؤمنين عن الزنا التي هي هتك حرمة الله الموضوعة بين الإزواجات الحبية الإلهية، واختلاط الأنساب المصححة للأحكام المذكورة، وبالجملة: هي الخروج عن السنة الإلهية التي سنَّها بين عباده على طريق الحكمة والمصلحة الإلهية الصالحة، والمصلحة لأصل فطرتهم التي خُلقوا عليها، هي التوحيد الذاتي.
والزنا يتصور بين المرء والمرأة الأجنبية المحرمة؛ لذلك قدم سبحانه أمر النساء، وبيَّن أحكامهن وأحال حكم الرجال على المقايسة؛ لقباحتها وشناعتها، كأنه استبعد سبحانه عن أهل الإيمان أمثال هذه الآثام والجرائم العظام الأخر الناقصات؛ ولأنهن في أنفسهن شباك شياطين، يصطادون بهن ضعفاء المؤمنين وأقوياءهم أيضاً، على ما نطق به حديث النبي - صلوات الله على قائله -:
"ما آيس الشيطان من ابن آدم إلا ويأتيهم من قبل النساء" .