التفاسير

< >
عرض

يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً
١٧١
لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً
١٧٢
-النساء

تفسير الجيلاني

{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } أي: الإنجيل المبالغين في أمر عيسى عليه السلام إلى حيث ينتهي إلى الغلو المذموم عقلاً وشرعاً { لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } ونبيكم، ولا تبالغوا في الإغراء في وصفه { وَ } عليكم أن { لاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ } الواحد، الأحد، الصمد الذي لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً { إِلاَّ ٱلْحَقَّ } الحقيق اللائق بجناية { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ } كسائر رسله { وَ } غاية أمره { كَلِمَتُهُ } أي: يحصل، ويتكون من كلمته التي { أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } { وَ } هو { رُوحٌ } يتجلَّى { مِّنْهُ } سبحانه، ويظهر فيه عليه السلام كظهوره في سائر الأشخاص إلا أن لا هوتيته غلبت على ناسوتيته، لذلك ظهر منه من الخوارق ما خلت عنها الأنبياء { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ } المنزه في ذاته عن الأهل والولد { وَرُسُلِهِ } المؤيدين من عنده؛ لتبليغ حكمه وأحكامه.
ومن جملتهم عيسى عليه السلام { وَلاَ تَقُولُواْ } على الله المنزه عن التعدد مطلقاً ما لا يليق بجنابه بأنه { ثَلاَثَةٌ } الله والمسيح ومريم { ٱنتَهُواْ } عن التثليث، بل عن التعدد مطلقاً، فإن انتهاءكم عنه يكون { خَيْراً لَّكُمْ } يرشدكم إلى سبيل التوحيد { إِنَّمَا ٱللَّهُ } المتجلي في الآفاق والاستحقاق { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } أي: موجود واحد، لا يمكن التعدد فيه أصلاً { سُبْحَانَهُ } بذاته، وتعالى عن { أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ } كما يقول الظالمون { لَّهُ } باعتبار تجلياته على صفحات الإعدام بجميع أوصافه وأسمائه مظاهر { مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } من جنود الله ومرايا أوصاف جماله وجلاله { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } أيضاً منها، وكذا فيما شاء الله، وما يعلم جنود ربك إلا هو { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً } [النساء: 171] أي: كفى الله المتجلي بجميع أوصافه وأسمائه وكيلاً على مظاهره، مولياً لأمورهم أصالة واستقلالاً.
ومن غاية إغراء النصارى في وصف المسيح، ونهاية غلوهم في حقه استنكفوا واستكبروا عن كونه عبد الله، ونسبوه إليه بالنبوة، وعبدوا له كعبادة الله، لذلك رد عليهم بقولهم: { لَّن يَسْتَنكِفَ } ويستكبر { ٱلْمَسِيحُ } وإن ترقَّى إلى السماء بقوة لاهوتية { أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ وَلاَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } عند الله، المترقون من السماء أيضاً؛ إذ لا ناسوتية لهم أصلاً، { وَ } كيف يستنكر، ويستنكف عن عبادته أحد من مظاهره ومخلوقاته؛ إذ { مَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ } الله { إِلَيهِ جَمِيعاً } [النساء: 172] ويحاسبهم بما صنعوا، ويجازيهم على مقتضى حسابهم بأشد العذاب، وأسوء النكال.