{ وَ } بعدما هذبتم ظواهركم أيها المؤمنون بهذه الأخلاق { ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } الموحد في ذاته ووجوده، المستقل في أفعاله وآثاره المترتبة على أوصافه الذاتية { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } من مصنوعاته؛ أي: لا تثبتوا الوجود والأثر لغيره؛ إذ الأغيار مطلقاً معدومة في أنفسها مستهلكة في ذاته سبحانه { وَ } افعلوا { بِٱلْوَٰلِدَيْنِ } اللذين هما سبب ظهوركم عادة { إِحْسَاناً } قولاً وفعلاً { وَ } أيضاً { بِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } المنتمين إليهما بواستطهما { وَ } أيضاً { ٱلْيَتَٰمَىٰ } الذين لا متعهد لهم من الرجال { وَٱلْمَسَٰكِينِ } الذين أسكنهم الفقر في زاوية الهوان { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } هم الذين لهم قرابة جوار بحيث يقع الملاقاة في كل يوم مرتين { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } هم الذين لهم بعد جوار، بحث لا يقع التلاقي إلا بعد يوم أو يومين أو ثلاثة.
{ وَ } عليكم رعاية { ٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ } أي: الذي معكم وفي جنبكم في السراء والضراء يصاحبكم ويعينكم { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } المتباعدين عن الأهل والواطن لمصالح دينية، مثل طلب العلم وصلة الرحم وحج البيت وغير ذلك { وَ } أيضاً من أهم المأمورات لكم رعاية { مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ } من العبيد والإماء والحيوانات المسنوبة إليكم، وعليكم ألاَّ تتكبروا على هؤلاء المستحقين حين الإحسان، ولا تتفوقوا عليهم بالامتنان { إِنَّ ٱللَّهَ } المتعزز برداء العظمة والكبرياء { لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً } متكبراً يمشي على الناس خيلاء { فَخُوراً } [النساء: 36] بفضله وماله أو نسبه.
وهم: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } من أموالهم التي استخلفهم الله عليها، معليين بأنا لم نجد فقيراً متديناً يستحق الصدقة { وَ } مع بخلهم في أنفسهم { يَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ } أيضاً { بِٱلْبُخْلِ } لئلا يلحق العار عليهم خاصة { وَ } مع ذلك { يَكْتُمُونَ } من الحكام والعملة { مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من الأموال؛ خوفاً من إخراج الزكاة والصدقات، ومن عظم جرم هؤلاء الخيلاء البخلاء أسند سبحانه انتقامهم إلى نفسه غير الأسلوب، فقال: { وَأَعْتَدْنَا } أي: هيأنا من غاية قهرنا وانتقامنا { لِلْكَافِرِينَ } لنعمنا كفراناً ناشئاً عن محض النفاق والشقاق { عَذَاباً } طرداً وحرماناً مؤلماً، وتخذيلاً وإذلالاً { مُّهِيناً } [النساء: 37].