التفاسير

< >
عرض

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً
٤٢
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً
٤٣
-النساء

تفسير الجيلاني

{ يَوْمَئِذٍ } أي: يوم إذ جئنا بك شهيداً على المؤمنين { يَوَدُّ } يحب ويتمنى { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالله { وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ } الأمي المبعوث إلى كافة الأنام بدين الإسلام أن { لَوْ تُسَوَّىٰ } تغطى { بِهِمُ ٱلأَرْضُ } في تلك الساعة، وصاروا نسياً منسياً لكان خيراً لهم من المذلة التي عرضت لهم في تلك الحالة { وَلاَ يَكْتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثاً } [النساء: 42] أي: لا يمكن كتمان حديث نفوسهم بهذا من الله في تلك الحالة، فكيف كتمان أعمالهم الصادرة عنهم؟!
ثم لما حضر بعض لمؤمنين المسجد لأداء الصلاة سكارى حين إباحة الخمر، وغفلوا عن أداء بعض أركاناها وتعديلها، وغلطوا في القراءة وحفظ الترتيب، نبه سبحانه عليهم ونهاهم ألاَّ تبادروا إلى المساجد قبل أن تفيقوا، فقال منادياً ليقبلوا: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم حفظ الأدب، سيما عند التوجه نحو الحق فعليكم أن { لاَ تَقْرَبُواْ } ولا تتوجهوا { ٱلصَّلَٰوةَ } أي: لأداء الصلاة، هي عبارةعن التوجه نحو الذات الإلهية بجميع الأعضاء والجوارج، المقارن بالخضوع والخشوع، المنبئ عن الاعتراف بالعبودية والإذلال، المشعر عن المعجز والتقصير، فلا بد لأدائها من فراغ الهم وخلاء الخاطر عن أدناس الطبيعة مطلقاً { وَ } خصوصاً { أَنْتُمْ } في أدائها { سُكَٰرَىٰ } لا تعلمون ما تفعلون وما تقرأون بل اصبروا { حَتَّىٰ } تفيقوا { تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } وما تفعلون في أدائها من محافظة الأركان والأبعاض والأركان والهيئات وغير ذلك.
{ وَ } عليكم أيضاً أن { لاَ } تقربوا الصلاة { جُنُباً } حالة كونكم مجنبين بأي طريق كان؛ إذ استفراغ المني إنما هو من استيلاء القوة الشهوية التي هي أقوى القوى الحيوانية وأبعدها عن مرتبة الإيمان والتوحيد، وحين استيلائها تسري خباثتها إلى جميع الأعضاء الحاملة للقوى الدراكة وتعطلها عن مقتضياتها بالمرة، فحينئذ تتحير الأمزجة وتضطرب لانحرافها عن اعتدال الفطرة الأصلية بعروض الخباثة السارية، فتكون الخباثة أيضاً كالسكر من مخللات العقل، فعليكم ألاَّ تقربوها معه { إِلاَّ } إذا كنتم { عَابِرِي سَبِيلٍ } أي: على متن سفر ليس لكم قدرة استعمال الماء؛ لفقده أو لوجود المانع، فعليكم أن تتيمووا وتصلوا جنباً { حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ } وتتمكنوا من استعماله.
{ وَ } كذا { إِنْ كُنْتُمْ } مقيمين { مَّرْضَىٰ } تخافون من شدة المرض في استعماله { أَوْ } راكبين { عَلَىٰ } متن { سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ } أي: من الخلاء محدثين { أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } أي: جامعتم معهن أو لعبتم بهن بالملامسة والمساس { فَلَمْ تَجِدُواْ } في هذه الصورة { مَآءً } لإزالة ما عرض عليكم من الجنابة { فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً } أي: فعليكم أن تقصدوا عند عروض هذه الحالات بالتراب الطيب من صعيد الأرض بأن تضربوا أيديكم عليها، وبعدها ضربتم { فَٱمْسَحُواْ } باليدين المغبرتين { بِوُجُوهِكُمْ } مقدار ما يغسل { وَأَيْدِيكُمْ } أيضاً كذلك؛ جبراً لما فوتم من الغسل بالماء؛ إذ التراب من المطهرات خصوصاً من الصعيد المرتفع { إِنَّ ٱللَّهَ } المصلح لأحوالكم { كَانَ عَفُوّاً } لكم مجاوزاً عن أمثاله { غَفُوراً } [النساء: 43] يستر عنكم ولا يؤاخذكم عليها إن كنتم مضطرين فيها، بل يجازيكم خيراً تفضلاً وامتناناً.