{وَ} واعلموا أيها المؤمنون {مَن يُطِعِ ٱللَّهَ} حق إطاعته {وَ} حق إطاعته أن يطيعوا {ٱلرَّسُولَ} المستخلف منه {فَأُوْلَـٰئِكَ} المطيعون لله ولرسوله مصاحبون {مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ} الذين يجمعون بين مرتبتي الكمال والتكميل، الفائزون بمقام الكشف والشهود، لا يرون غير الله في الوجود، ولذلك يدبرون الظاهر والباطن {وَٱلصِّدِّيقِينَ} وهم الذين يصلون إلى مقام المشاهدة، ويتحيرون بمطالعة وجه الله الكريم إلى حيث لا يلتفتون إلى الكمال والتكميل، بل يهيمون ويستغرقون {وَٱلشُّهَدَآءِ} وهم الذين يرفعون مزاحمة هويتهم عن البين مطلقاً {وَٱلصَّالِحِينَ} وهم الذين يستعدون نفوسهم لنقصان المراتب السابقة، ويترصدون لها إيماناً واحتساباً {وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ} المقربون المجتهدون في طريق التوحيد مقدورهم {رَفِيقاً} [النساء: 69] شفيقاً للساكنين المتوجهين نحوه.
{ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ} والهداية والرفاقة مع هؤلاء العظماء وللإنعام تفضلاً {مِنَ ٱللَّهِ} وامتناناً منه لا صنع للعبد فيه، ولا علم لأحد في كيفيته وكيمته {وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ عَلِيماً} [النساء: 70] في مقدوراته وهوهوبته.
هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ومن أجلّ أسباب المرافقة مع هؤلاء المقربين: الجهاد؛ لذلك أمرهم سبحانه بتهيئة أسبابه ليتهيئوا له، فقال منادياً اهتماماً لشأنه: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ} مقتضى إيمانكم ترويج دينكم، ونصرة نبيكم {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} أي: عدتكم التي بها تحذرون عن العدو واستعدوا للقتال، وبعدما تم استعدادكم {فَٱنفِرُواْ} اخرجوا قبل العدو {ثُبَاتٍ} فرقة بعد فرقة {أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً} [النساء: 71] مجتمعين مختلطين؛ لأنه أدخل في المهابة.
{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} أي: وإن أناساً منكم والله ليتكاسلن، ويتثاقلن لنفاقهم ومرض قلوبهم {فَإِنْ أَصَٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ} قتل وهزيمة {قَالَ} المنافق المتكاسل {قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ} بسبب هذا البطء والتأخير {إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً} النساء: 72] حاضراً فيصيبني ما أصابهم.
{وَلَئِنْ أَصَٰبَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ} متمنياً من فرط تحسره وتحسده بكم {كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ} أي: كتحسر الأعداء للأعداء: {يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} [النساء: 73] مثل ما فازوا.
وإن أبطأ المنافقون في أمر القتال، وتكاسلوا نفاقاً.