التفاسير

< >
عرض

لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً
٧
وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً
٨
وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً
٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً
١٠
-النساء

تفسير الجيلاني

ثم لمَّا أمر أولاً سبحانه عباده بالتقوى على وجه المبالغة والتأكيد، وقَرَنَ عليه حفظ الأرحام ومراعاة الأيتام، ومواساة السفهاء المنحطين عن درجة العقلاء، أراد أن يبين أحوال المواريث والمتوارثين مطلقاً، حتى لا يقع التغالب والتظالم فيها كما في الجاهلية الأولى؛ إذ روي أنهم لا يرثون النساء معللين بأنهن لا يحضرن الوغى ولا يدفعون العدو.
رد الله عليهم وعيَّن لكل واحد من الفريقين نصيباً مفروزاً مفروظاً، فقال: { لِّلرِّجَالِ } سواء كانوا بالغين أم لا، عقلاء أم سفهاء { نَصيِبٌ } بينهم مفروض مقدر { مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ } أيضاً بالغات، عاقلات أم لا { نَصِيبٌ } مقدر { مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ } المتروك { أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } [النساء: 7] مقدراً في كتاب الله، كما يجيء بيانه وتعيينه من قريب.
{ وَ } من جملة الأمور المترتبة على التقوى: تصدق الوارثين من المتروك { إِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ } أي: وقتها { أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } المقلين، المحجوبين عن الإرث { وَٱلْيَتَامَىٰ } الذين لا مال لهم ولا متعهد لهم { وَٱلْمَسَاكِينُ } الفاقدين وجه المعاش { فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ } أي: فاعطوهم أيها الوارثون من المقسم المتروك مقدار ما لا يؤدي إلى تحريم الورثة { وَقُولُواْ لَهُمْ } حين الإعطاء { قَوْلاً مَّعْرُوفاً } [النساء: 8] خالياً عن وصمة المنِّ والأذى.
{ وَلْيَخْشَ } من سخط الله وغضبه الأوصياء أو الحضَّار { ٱلَّذِينَ } حضروا عند من أشرف على الموت أن يلقنوا له التصدق من ماله على وجه يؤدي إلى تحريم الورثة، وعلى الحضَّار أن يفرضوا { لَوْ } ماتوا أو { تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً } أخلافاً { ضِعَافاً } بلا مال ولا متعهد { خَافُواْ عَلَيْهِمْ } البتة ألاَّ يضيعوا، فيكف لا يخافون على أولئك الضعاف الضياع؟! بل المؤمن لا بد أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه بل أولى منه { فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ } أولئك الحضَّار أو الأوصياء عن التلقين المخلّ لنصيب الورثة { وَلْيَقُولُواْ } له ويلقنوا عليه { قَوْلاً سَدِيداً } [النساء: 9] معتدلاً بين طرفي الإفراط والتفريط؛ رعاية للجانبين، وحفظاً للغبطتين.
ثم قال سبحانه توبيخاً وتقريعاً على الظالمين المولعين في أكل أموال اليتامى من الحكام والأوصياء والمتغلبة من الورثة: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً } بلا رخصة شرعية { إِنَّمَا يَأْكُلُونَ } ويدخرون { فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } معنوياً في النشأة الأولى، مستتبعاً النار الصوري في النشأة الأخرى، وهي نار البعد والخذلان { وَ } هم فيها { سَيَصْلَوْنَ } أي: سيدخلون { سَعِيراً } [النساء: 10] لا ينجو منها أحد.