التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٦٦
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ
٦٧
هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ
٦٨
-غافر

تفسير الجيلاني

{ قُلْ } يا أكمل الرسل لعموم المشركين على وجه التنبيه والإرشاد، بعدما وضح أمر التوحيد، واتضح سبيل الهداية والرشاد: { إِنِّي نُهِيتُ } من قِبل ربي الذي سمعتم استقلاله في ألوهيته وربوبيته { أَنْ أَعْبُدَ } وانقاد الآلهة الباطلة { ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ } أنتم { مِن دُونِ ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد، الفريد في الألوهية، الوحيد بالربوبية { لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } أي: حين نزل علي الآليات المبينة الموضحة { مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ } أيضاً من لدنه سبحانه { أَنْ أُسْلِمَ } أي: أعبد وأنقاد على وجه الإخلاص والاختصاص، بلا رؤية الوسائل والأسباب { لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } [غافر: 66] إذ هو سبحانه منزه عن التعدد والتكثر مطلقاً، ورجوع الكل إليه أولاً وبالذات.
وكيف لا يعبدونه سبحانه، ولا ينقادون إليه بتوحيده مع أنه { هُوَ } الخالق المصور { ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ } قدر صوركم أولاً { مِّن تُرَابٍ } مسترذل إظهاراً لقدرته الغالبة الكاملة { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ } مهينة مستحدثة من التراب { ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } خبيثة متكونة من النطفة { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ } من بطون أمهاتكم { طِفْلاً } كائناً من أجزاء العلقة، والروح المنفوخ فيها من لدنه سبحانه.
{ ثُمَّ } يربيكم بأنواع اللطف والكرم { لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ } أي: كمال قوتكم وحولكم نظراً وعملاً { ثُمَّ } أمهلكم وأعمركم زماناً { لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً } منحطين منسلخين عن كلتا القوتين معاً { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ } ويموت { مِن قَبْلُ } أي: قبل بلوغه إلى أشده أو شيخوخته { وَ } إنما فعل سبحانه كل ما فعل من الأطوار المتعاقبة { لِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً } معيناً مقدراً { مُّسَمًّى } عنده بلا اطاع أحد عليه؛ لقبضكم نحوه ورجوعكم إليه { وَ } الحكمة الباعثة على جميع ذلك { لَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } [غافر: 67] وتفهمون أن مبدأكم ومنشأكم منه، ومعادكم إليه، فتبعدونه حق عبادته كي تعرفوه حق معرفته.
وكيف لا تعبدون سبحانه، ولا تعرفونه أيها العقلاء المجبولون على فطرة الدراية والشعور مع أنه { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي } بامتداد أظلال أسمائه كل ما لاح عليه شمس وجوده { وَيُمِيتُ } يقبض تلك الأضلال بالإرادة والاختيار، وبالجملة: { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } أي: تعلقت إرادته ومشيئته بإحداث ما ظهر في عالم الأمر { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ } بعد تعلق مشيئته: { كُن فيَكُونُ } [غافر: 68] بلا تراخ وتعاقب، مفهوم من منطوق هذا الكلام على ما هو المتبادر من أمثاله، بل كل ما لمع عليه برق إرادته، وصدر منه سبحانه ما يدل على نفوذ قضائه يكون المقضي؛ بحيث لا يسع بين القضاء والمقضي توهم المهلة والتراخي والترتيب أصلاً.