التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ
٧٨
ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
٧٩
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
٨٠
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ
٨١
-غافر

تفسير الجيلاني

{ وَ } ليس لك أن تتعب نفلك بتعجيل العذاب عليهم قل حلول الأجل المقدر من عندنا؛ إذ { لَقَدْ أَرْسَلْنَا } من مقام جودنا { رُسُلاً } كثيراً { مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا } قصتهم { عَلَيْكَ } في كتابك { وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } ولم نذكر قصتهم في كتابك؛ إذ ما يعلم جنود ربك وما جرى عليهم إلا هو.
{ وَ } بالجملة: { مَا كَانَ } أي: ما صح وجاز { لِرَسُولٍ } من الرسل { أَن يَأْتِيَ } ويعجل { بِآيَةٍ } مقترحة أو غير مقترحة من تلقاء نفسه { إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } وبمقتضى مشيئته وإرادته سبحانه، بل أن ينتظر الوقت الذي عين سبحانه ظهورها فيه؛ إذ جميع الآيات والمعجزات موهوبة لله، مقسومة بين أنبيائه ورسله بمقتضى قسمته سبحانه في حضرة علمه ولوح قضائه، لا يسع لأحد منهم أن يعجل بها، أو يؤخر عن وقتها، بل { فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } العليم الحكيم بتعذيب المشركين وإثابة الموحدين { قُضِيَ بِٱلْحَقِّ } جميع المقتضيات الإلهية، سواء كانت من العقوبات والمثوبات { وَ } كما { خَسِرَ هُنَالِكَ } أي: عند وقوع المقضي وظهوره { ٱلْمُبْطِلُونَ } [غافر: 78] المستوجبون لأنواع العذاب والنكال، وربح حينئذ المستحقون لأصناف المثوبات واللذات الروحانية.
وكيف لا يكون مقاليد الأمور بيد الله وقبضته وقدرته؛ إذ { ٱللَّهُ } المتفرد بالألوهية والربوبية هو { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ } مسخرة مقهورة لكم، محكومة تحت أمركم وحكمكم { لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } ما يليق بركوبكم تتميماً لتربيتكم وحضوركم { وَ } جعل لكم أيضاً { مِنْهَا } أي: من النعام { تَأْكُلُونَ } [غافر: 79] لتقويم المزاج وتقوية البدن.
{ وَ } جعل { لَكُمْ فِيهَا } أيضاً { مَنَافِعُ } كثيرة كالألبان والصواف والأشعار والأوبار، وغير ذلك { وَلِتَـبْلُغُواْ } أي: لتصلوا، وتنالوا بالحمل والركوب { عَلَيْهَا } أي: على الأنعام { حَاجَةً } مطلوبة لكم مركوزة { فِي صُدُورِكُمْ } ونفوسكم، ولولا ركوبكم وحملكم عليها، لم تصلوا إليها إلا بشق النفس { وَ } بالجملة: { عَلَيْهَا } أي: على الأنعام في البر { وَعَلَى ٱلْفُلْكِ } في البحر { تُحْمَلُونَ } [غافر: 80] يعني: سهل عليكم سبحانه أمور معاشكم في إقامتكم وأسفاركم تتميماً لتربيتكم وحفظكم؛ لتواظبوا على شكر نعمه، وتلازموما لعبادته وعبوديته بالتبتل والإخلاص التام.
{ وَ } بهذا { يُرِيكُمْ } أيها المغمورون المستغرقون في بحار أفضاله وجوده { آيَاتِهِ } الدالة على وجوب وجوده، ووحدة ذاته واستقلاله في الآثار الصادرة منه سبحانه حسب أسمائه وصفاته { فَأَيَّ } آية من { آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على كمال ألوهيته وربوبيته { تُنكِرُونَ } [غافر: 81] أيها المسرفون المشركون.