التفاسير

< >
عرض

فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ
١٣
إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ
١٤
فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ
١٥
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ
١٦
-فصلت

تفسير الجيلاني

وبعدما ظهر من دلائل توحيد الحق ما ظهر، ولاح من آثار قدرته الكاملة ما لاح { فَإِنْ أَعْرَضُواْ } أي: الكفرة الجهلة المستكبرون عنك يا أكمل الرسل، وعن جميع ما جئت لهم من الآيات البينات لدلائل توحيد الذات، وكمال الأسماء والصفات الإلهية { فَقُلْ } لهم على وجه التحذير والتنبيه: { أَنذَرْتُكُمْ } أيها التائدون في تيه الغفلة والضلال، أتى بالماضي لتحقق وقوعه { صَاعِقَةً } أي: بلية عظيمة نازلة عليكم من شدة قساوتكم، وإعراضكم عن الحق وأهله كأنها صاعقة في الحول والشدة { مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } [فصلت: 13].
وقت { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ } المبعوثون إليهم؛ لتكميلهم وإرشادهم، والمبلغون لهم الوحي الإلهي { مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } أي: في حضورهم وغيبتهم بواسة وبغير واسطة، المنبهون عليهم، القائلون لهم: عليكم أيها المجبولون على فطرة التوحيد { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } ولا تتوجهوا بالعبودية الخالصة { إِلاَّ ٱللَّهَ } الواحد الأحد الصمد، الحقيق بالإطاعة والانقياد؛ إذ لا معبود لكم سواه، ولا مقصد إلا هو.
وبعدما سمعوا من رسلهم ما سمعوا { قَالُواْ } متهكمين مستهزئين: { لَوْ شَآءَ رَبُّنَا } الذي ادعيتم ربوبيته وألوهيته بالانفراد والاستقلال { لأَنزَلَ } بمقتضى قدرته الكاملة التي ادعيتم له { مَلاَئِكَةً } يخرجوننا من أودية الجهالات وبادية الضلال والغفلات، وبالجملة: { فَإِنَّا } بأجمعنا { بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ } أي: بجميع ما جئتم به وادعيتم الرسالة فيه { كَافِرُونَ } فصلت: 14] منكرون جاحدون، إن أنتم إلا بشر مثلنا بلا مزية لكم علينا، ومن أين يتأتى لكم هذا؟!.
ثم فصل سبحانه ما أجمل بقوله: { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ } على عباد الله { فِي ٱلأَرْضِ } التي هي محل الاختبار الإلهي { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } أي: بلا انقياد وإطاعة إلى دين ونبي يرشدهم إلى طريق الحق { وَ } من كمال تعنتهم وبطرهم { قَالُواْ } على وجه الشرف والمباهاة: { مَنْ أَشَدُّ } على وجه الأرض { مِنَّا قُوَّةً } وأكثر عَدداً وعُدداً، وأتم بسطة واستيلاء؟!.
وقالوا هذا حين تخويفهم الرسل بإلمام العذاب عليهم، وهم كانوا أعظم الناس جسما وأوفرهم قوة وقدرة، لذلك اغتروا بما عندهم من القوة والثروة، فكذبوا الرسل وقالوا لهم: نحن ندفع العذاب الذي ادعيتم نزوله أيها الكاذبون بوفور حولنا وقوتنا { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } يعني: أيغترون على قوتهم وجسامتهم وينكرون كمال قدرة الله وشدة انتقامه، ولم يعلموا { أَنَّ ٱللَّهَ } القدير العزيز { ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ } وإظهرهم من كتم العدم، ولم يكونوا شيئاً مذكوراً { هُوَ } سبحانه بذات وكمال أسمائه وصفاته { أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } وأكمل حولاً وقدرة، وأحكم بطشاً وانتقاماً { وَ } هم وإن جزموا حقية رسلنا المبعوثين إليهم، وآياتنا المنزلة عليهم في ظواهرهم وبواطنهم، لكن { كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } [فصلت: 15] وينكرون بحسب الظاهر عناداً ومكابرة، اغتراراً بما معهم من الثروة والجسامة.
وبعدما تمادوا على غيبهم، وأصروا على عتوهم وضلالهم { فَأَرْسَلْنَا } بمقتضى قهرنا وجلالنا { عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } باردة شديدة البرد، عقيمة عن المطر، تعميهم بنقعها، وتصميهم بصريرها { فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } لا سعود فيها؛ يعني: إنما بدلنا مسعودات ايامهم بالمنحوسات { لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ } أي: المذلة والهوان اللازم على العذاب حيث كان ونزول { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } التي هم مغرورون فيها، مسرورون بلذاتها وشهواتها { وَ } الله { لَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ } المعدة للانتقام والجزاء { أَخْزَىٰ } أي: أشد خزياً، وأتم تذليلاً وتصغيراً بأضعاف عذاب الدنيا وآلافها { وَ } بالجملة: { هُمْ لاَ يُنصَرُونَ } [فصلت: 16] ولا يشفعون فيها بدفع العذاب عنهم لحظة، بل يخلدون في العذاب ما شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.