التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
٣٠
نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ
٣١
نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ
٣٢
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ
٣٣
-فصلت

تفسير الجيلاني

ثم قال سبحانه على مقتضى سنته في كتابه: { إِنَّ } الموحدين { ٱلَّذِينَ قَالُواْ } في السراء والضراء والسر والعلن: { رَبُّنَا ٱللَّهُ } الواحد الأحد الفرد الصمد الذي { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص: 3-4] { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } وتثبتوا على ما أقروا، واعترفوا بأعمالهم وأحوالهم وبيناتهم المترتبة عليها عموم أفعالهم { تَتَنَزَّلُ } على إعانتهم وشرح صدورهم وتهذيب أخلاقهم { عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ } المترصدون لأم الله، القائمون لحكمه، قائلين لهم مبشرين إياهم: { أَلاَّ تَخَافُواْ } على فرطاتكم التي صدرت عنكم قبل انكشافكم بسرائر التوحيد واليقين { وَلاَ تَحْزَنُواْ } بما جرى عليكم من مقتضيات بشرياتكم { وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [فصلت: 30] بألسنة أنبيائكم ورسلكم الهادين المهدين.
وبعدما وفقناكم على انكشاف سرائر توحيدنا، والتخلق بأخلاقنا { نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ } نولي عموم أموركم؛ بحيث نكون سمعكم وبصركم وجميع قواكم وجوارحكم { فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } حسب اسمنا الظاهر { وَفِي ٱلآخِرَةِ } أيضاً كذلك حسب اسمنا الباطن { وَلَكُمْ } منَّا وراء ذلك تفضلاً وإحساناً { فِيهَا } أي: في الآخرة { مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } من اللذات الروحانية حسب استعداداتكم الفطرية وقابلياتكم الجبلية الفائضة عليكم بمقتضى جودنا الواسع { وَلَكُمْ } أيضاً { فِيهَا مَا تَدَّعُونَ } [فصلت: 31] تطلبون وتتمنون وقت دعائكم في نشأة الدنيا حسب عقولكم وهوياتكم.
كل ذلك صار { نُزُلاً } معداً لكم قبل نزولكم فيها تفضلاً عليكم وإحساناً لكم { مِّنْ غَفُورٍ } ستَّار لأنانياتكم، محَّاء لذنوب هوياتكم { رَّحِيمٍ } [فصلت: 32] موصل لكم بمقتضى سعة رحمته وجوده إلى زلال توحيده.
{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } وأصلح عملاً، وأكمل إيماناً واعتقاداً، وأتم معرفة وتوحيداً { مِّمَّن دَعَآ } أي: أشد وهدى { إِلَى ٱللَّهِ } الواحد الأحد الصمد، المستقل بالألوهية والربوبية، المتفرد بالوجود والديمومية { وَعَمِلَ } عملاً { صَالِحاً } مطابقاً موافقاً لصفاء مشرب التوحيد، مجتنباً عن رعونات العجب والرياء، وتخمينات التقليد والهوى { وَ } بالجملة: { قَالَ } بعدما نال أولاً ما نال، وفني فيما فني: { إِنَّنِي مِنَ } زمرة { ٱلْمُسْلِمِينَ } [فصلت: 33] المسلِّمين المنقادين، المفوضين إلى الله جميع ما لاح عليهم من بروق تجلياته الجمالية والجلالية، وما لي أيضاً إلا التسليم والرضا بعموم ما جرى عليه القضاء.