{ ذَلِكَ } المذكور من الفضل والفوز هو { ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ } المنعم المفضل به { عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة ذاته { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } المفيضة الموصلة لهم إلى توحيد أفعاله وصفاته { قُل } يا أكمل الرسل بعدما بينت لهم طريقي الهداية والضلال، وبلغت ما يوصل بوحي إليك للإرشاد والتكميل إياهم: { لاَّ أَسْأَلُكُمْ } أي: على تبليغي وتبشيري إياكم { عَلَيْهِ أَجْراً } جعلاً منكم ونفعاً دنيوياً { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي: ما أطلب منكم نفعاً دنيوياً بل أطلب منكم محبة أهل بيتي ومودتهم؛ ليدوم لكم طريق الاستفادة والاسترشاد منهم؛ إذ هم مجبولون على فطرة التوحيد الذاتي مثلي.
روي أنها لما نزلت، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرابتك؟ قال: "علي وفاطمة وأبنهائمها" .
وكفاك شاهداً على ذلك ظهور الأئمة الذين هم أكابر أولي العزائم في طريق الحق وتوحيده، صلوات الله على أسلافهم وسلامه عليهم وعلى أخلافهم، ما تناسلوا بطناً بعد بطن.
{ وَمَن يَقْتَرِفْ } ويكتسب متابعة الرسول وأهل بيته { حَسَنَةً } دينية حقيقة { نَّزِدْ لَهُ فِيهَا } أي: فيما يترتب عليها من الكرامات الأخروية { حُسْناً } أي: زياة حسن تفضلاً منَّا وإحساناً { إِنَّ ٱللَّهَ } المطلع لضمائرهم عباده ونياتهم { غَفُورٌ } لذنوب من أحب أهل بيت حبيبه لرضاه سبحانه { شَكُورٌ } [الشورى: 23] يوفي عليهم الثواب، ويوفر عليهم أنواع الكرامات.
أينكرون مطلق رتبة النبوة والرسالة؟! أولئك المنكرون المعاندون { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ } محمد صلى الله عليه وسلم { عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } واختلق آيات مفتريات ترويجاً لمدعاه، وما قولهم هذا وزعمهم بك يا أكمل الرسل بأمثاله إلا قول باطل، وزعم زاهق زائغ { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ } الغني بذاته عن عموم مظاهره ومصنوعاته { يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } كما ختم على قلوبهم، ويضلك عن طريق توحيده مثل ما أظلهم { وَ } بعد ذلك { يَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } لو تعلق مشيئته { وَيُحِقُّ } ويثبت { ٱلْحَقَّ } الحقيق بالإطاعة والاتباع { بِكَلِمَاتِهِ } التي هي آيات القرآن بلا سفارتك ورسالتك، وبالجملة: { إِنَّهُ } سبحانه { عَلِيمٌ } يعلمه بعلمه الحضوري { بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الشورى: 24] فيظهر عليهم ما هو مكنون في صدورهم وضمائرهم، ويجازيهم بمقتضاهز
{ وَ } كيف لا يعلم سبحانه بمكنونات صدورهم { هُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ } الصادرة عن محض الندم والإخلاص اللذين هما من أفعال القلوب { عَنْ عِبَادِهِ } المسترجعين نحوه بكمال الخشية والخضوع { وَ } بعد قبول التوبة عنهم { يَعْفُواْ } ويتجاوز { عَنِ } مطلق { ٱلسَّيِّئَاتِ } الصادرة عنهم على سبيل الغفلة { وَ } بالجملة { يَعْلَمُ } منكم جميع { مَا تَفْعَلُونَ } الشورى: 25] بظواهرهم وبواطنكم.
{ وَيَسْتَجِيبُ } أي: بحيث يقبل توبة { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ترحماً لهم وإشفاقاً، بعدما رجعوا نحوه تائبين نادمين عما فعلوا { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } بدل إخلاصهم واستحيائهم منه سبحاه من الكرامات ما لا يكتنه وصفه { وَٱلْكَافِرُونَ } الساترون بأباطيل هوياتهم، وما صدر منها من الجرائم والآثام شمس الحق الحقيق بالكشف والظهور { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [الشورى: 26] حين رجعوا إلى الله، وحشروا نحوه مهانين صاغرين.