التفاسير

< >
عرض

وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ
٤٣
وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ
٤٤
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ
٤٥
وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ
٤٦
-الشورى

تفسير الجيلاني

{ وَلَمَن صَبَرَ } من المظلومين، ولم ينتصر، ولم ينتقم من الظالم كظماً وهظماً { وَغَفَرَ } أي: عفا وتجاوز مسترجعاً إلى الله، طالباً الأجر منه سبحانه { إِنَّ ذَلِكَ } العفو والصفح عند القدرة { لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ } [الشورى: 43] أي: من الأمور التي آثرها أولو العزائم الصحيحة من أرباب العناية، وهم الذين يرون من الله جميع ما يرون منحة أو محنة، ويوطنون نفوسهم على الرضا بما جرى عليهم من القضاء.
{ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } يمقتضى قهره وجلاله ويغويه عن طريق توحيده { فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ } سواه ينسره ويدفع عنه ما يخذله { مِّن بَعْدِهِ } أي: من بعد خذلان الله أياه { وَ } بعدما ردهم سبحانه إلى دار الانتقام بأنواع الخيبة والخسران { تَرَى } أيها الرائي { ٱلظَّالِمِينَ } المغرورين بما هم عليه من الجاه والثروة والمفاخر بالأموال والأولاد في دار الدنيا { لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } النازل عليهم المحيط بهم من جميع جوانبهم { يَقُولُونَ } حينئذ أي: بعضهم لبعض من شدة اضطرابهم واضطراهم: { هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ } رجعة إلى الدنيا وعود إليها { مِّن سَبِيلٍ } [الشورى: 44] حتى نعود ونستعد ليومنا هذا.
{ وَ } هم في هواجس أنفسهم يتكلمون بهذا الكلام تحسراً وتضجراً { تَرَاهُمْ } أيها الرائي حين { يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } أي: على النار { خَاشِعِينَ } خاضعين { مِنَ ٱلذُّلِّ } والصغار المفرط الشامل لهم { يَنظُرُونَ } نحو النار { مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ } أي: بنظرة حفية من تحت الأهداب بلا تحريك الأجفان من كمال رعبهم وخشيتهم منها، كنظر من يؤمر بقتله إلى سيف الجلاد.
{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } حين رأوا أعداءهم معذبين: { إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ } المسرفين المفسدين { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } بالظلم والضلال { وَأَهْلِيهِمْ } بالضد والإضلال، لذلك استحقوا العذاب المخلد { يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } والنكال المؤبد فيها { أَلاَ } أي: تنبهوا أيها الأظلال المستظلون تحت لواء العدالة الإلهية { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضاها بإغواء الغوائل الإمكانية التسويلات الشيطانية { فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } [الشورى: 45] وعقاب دائم أليم.
{ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ } وينقذونهم من عذابه، والحال أنه قد أضلهم الله بمقتضى قهره وجلاله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } المنتقم الغيور { فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } [الشورى: 46] إلى الهداية والنجاة من وبال ما يترتب على الغي والضلال.