وبالجملة: {ٱسْتَجِيبُواْ} أيها المكلفون بالإجابة والقبول {لِرَبِّكُمْ} الذي رباكم على فطرة التوحيد، وتوجهوا نحوه مخصلين، وأجيبوا داعيه محمداً صلى الله عليه وسلم، مصدقين {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ} يحل فيه العذاب عليكم، مع أنه {لاَّ مَرَدَّ لَهُ} أي: لا رفع ولا رد للعذاب النازل فيه {مِنَ ٱللَّهِ} وبعدما قضى سبحانه وحكم حتماً {مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ} سواه، وقد جرى حكمه بتعذيبكم {وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} [الشورى: 47] وما يتيسر لكم حينئذ إنكار أسباب العذاب وموجباته؛ إذ تشهد عليكم يومئذ أعضاؤكم وجوارحكم بما اقترفتم بها من الجرائم والآثام.
وبالجملة: قل لهم يا أكمل الرسل على سبيل العظة والتذكير أمثال هذه المواعظ والتذكيرات نيابة عنَّا، فإن امتثلوا وقبلوا، فقد اهتدوا {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} أي: فاعلم أنا ما أرسلناك يا أكمل الرسل {عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} يحفظهم عن جميع ما يضرهم ويغويهم، بل {إِنْ عَلَيْكَ} أي: ما عيك {إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ} وقد بلغت، وبعد تبليغك ما بقي عليك من حسابهم من شيء.
ثم أشار سبحانه إلى وهن عزائم الإنسان وضعف عقائده، فقال: {وَإِنَّآ} عنها، ولم يلتفتوا إليها عناداً ومكابرة {فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} من مقام عظيم جودنا {إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ} تفضلاً {مِنَّا} بلا سبق استحقاق منه {رَحْمَةً} شاملة محيطة بجميع أعضائه وجوارحه {فَرِحَ بِهَا} وانبسط بحلولها {وَإِن تُصِبْهُمْ} حيناً من الأحيان {سَيِّئَةٌ} من السيئات مؤلمة لهم، مع أنها {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} أي: بشؤم ما اقترفوا من المعاصي والآثام الجالبة لأنواع المضرات {فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ} [الشورى: 48] مسرع إلى الكفران، مبادر إلى النيسان، كأنه لم ير منَّا الإحسان والإنعام قط.