التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ
١٥
أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ
١٦
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ
١٧
أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ
١٨
وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ
١٩
وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
٢٠
-الزخرف

تفسير الجيلاني

{ وَ } من غاية غفلتهم عن الحق وجهلهم بحقوق ألوهيته وربوبيته: { جَعَلُواْ لَهُ } سبحانه واتخذوا { مِنْ عِبَادِهِ } بعضاً، وادعوه { جُزْءًا } له، وولداً ناشئاً منه حيث قالوا: الملائكة بنات الله، والعزير ابن الله، والمسيح كذلك، وبالجملة: { إِنَّ ٱلإنسَانَ } المجبول على الجهل والنسيان { لَكَفُورٌ } متناهٍ في الغفلة عن الله، والكفران بنعمه وحقوق كرمه { مُّبِينٌ } [الزخرف: 15] ظاهر البغي والطغيان على الله، والإلحاد عن دينه وطريق توحيده.
ومن شدة ظهور بغيهم وطغيانهم: أثبتوا له أولاداً { أَمِ ٱتَّخَذَ } أي: بل قالوا: اتخذ وأخذ { مِمَّا يَخْلُقُ } سبحانه؛ أي: من مظاهره ومصنوعاته أخسها وأدونها؛ أعني: { بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم } أي: أخلص أنفسكم { بِٱلْبَنِينَ } [الزخرف: 16].
{ وَ } كيف تثبتون لله الواحد الأحد الصمد بنات، وتختارون لأنفسكم بنين مع أنه { إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً } من إثبات البنات له { ظَلَّ } صار { وَجْهُهُ مُسْوَدّاً } من كمال ضجرته وكآبتها { وَهُوَ } حينئذ { كَظِيمٌ } [الزخرف: 17] مملوء من الغيظ والكرب.
{ أَوَمَن يُنَشَّأُ } أي: أتثبتون للصمد المنزه عن الأهل والولد ولداً ناقصاً يُربى ويزين { فِي ٱلْحِلْيَةِ } والزينة، لعدم كماله الذاتي { وَ } الحال أنه { هُوَ فِي ٱلْخِصَامِ } أي: المجادلة والمحاباة { غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف: 18] معرب مظهر؛ لما يدعيه لنقصان عقله وركاكة رأيه وفهمه، وهن البنات الناقصات عقلاً وديناً وخلقة، وبالجملة: أثبوا لله ما ينزهون أنفسه عنه، ويتغممون عند حصوله لهم.
{ وَ } من نهاية جهلهم وركاكة رأيهم { جَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ } المستغرقون الوالهون بمطالعة وجهه الكريم، المستغفرون لعموم عباد الله من سعة رحمته وجوده { إِنَاثاً } ناقصات العقل والدين، منحطات عن زمرة الكاملين مع أنهم - أي: الملائكة - من أعزة عباد الله وأجلهم متمكنون عند كنف قربه وجواده، مسبحون له في عموم الأوقات والحالات { أَشَهِدُواْ } وحضروا أولئك الحمقى { خَلْقَهُمْ } أي: خلق الله إياهم في بدء الأمر؛ إذ الأنوثة والذكورة من جملة الأمور التي لا اطعلا لأحد عليها إلا بالمشاهدة، أم شهدوا رجماً بالغيب، ظلماً وزوراً { سَتُكْتَبُ } في النشأة الأولى { شَهَادَتُهُمْ } التي شهدوا بها على خُلَّص عباد الله، وافتراؤهم على الله الصمد المنزله من الاستيلاد { وَ } بالجملة: { يُسْأَلُونَ } [الزخرف: 19] يوم القيامة عن جميع ما أتوا من المعاصي، سيما عن هذه الشهادة والافتراء، ثم يجازون بمقتضاها.
{ وَ } بعدما سفَّه المسلمون أهل الشرك وعيروهم باتخاذ الملائكة والأوثان والأصنام، وجميع المعبودات الباطلة آلهة من دونه الله، شركاء له في الألوهية، مع كونهم منحطين عن رتبة الألوهية والربوبية مطلقاً { قَالُواْ } مستدلين على أخذهم واتخاذهم: { لَوْ شَآءَ } وأراد { ٱلرَّحْمَـٰنُ } عدم أخذنا وعبادتنا إياهم { مَا عَبَدْنَاهُمْ } ألبتة، لكن أراد سبحانه عبادتنا فعبدناهم؛ إذ لا يبدل قوله سبحانه ولا يغير حكمه ومشيئته، إنما قالوا ما قالوا تهكماً واستهزاءً، وعلى زعم المؤمنين، لا عن اعتقاد ويقين بمشيئة الله وتقديره، وعدم تغيير مراده سبحانه؛ لذلك جعلهم سبحانه بقوله: { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ } أي: ما صدر عنهم هذا الاستدلال عن علم بمقدماته واعتقاد بنتيجته، بل { إِنْ هُمْ } أي: ما هم في قولهم هذا واستدلالهم { إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [الزخرف: 20] يتمحلون تمحلاً باطلاً، ويتزورون زوراً ظاهراً.