{ وَإِنَّهُمْ } أي: جنود الشياطين وأتباعهم { لَيَصُدُّونَهُمْ } أي: يذبُّونهم ويصرفونهم؛ أي: أتباعهم { عَنِ ٱلسَّبِيلِ } السوي، الموضوع بالوضع الإلهي، الموصل إلى توحيده { وَيَحْسَبُونَ } من فرط عمههم وسكرتهم { أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } [الزخرف: 37] لهداية قرنائهم من الشياطين، مع أنهم غاوون ضالون بإغوائهم وإضلالهم، ولم يعلموا إضلالهم.
{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } أي: الغاشي الأعمى، وعلم ضلاله عنَّا، وغوايته عن طريقنا { قَالَ } متحسراً متأسفاً لقرينه المغوي: { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أي: بُعد ما بين المشرق والمغرب { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } [الزخرف: 38] أنت أيها المضل، أضللتني عن الطريق القويم وابتليتني بالعذاب الأليم.
{ وَ } قيل لهم حينئذٍ من قبل الحق: { لَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ } تمنيكم وأسفكم { إِذ } قد { ظَّلَمْتُمْ } أنفسكم في نشأة التدارك والتلافي، والآن قد انقرضت، بل { أَنَّكُمْ } وقرناءكم اليوم { فِي ٱلْعَذَابِ } النازل عليكم { مُشْتَرِكُونَ } [الزخرف: 39] كما إنكم كنتم مشتركون في الأسباب الجالبة له في النشأة الأولى.
ثم لما كان صلى الله عليه وسلم يبالغ في إرشاد عشيرته ويُتعب نفسه في إهدائهم، رد الله سبحانه على وجه التعجب والتأديب ردعاً له عما كان عليه من المبالغة، فقاله مستفهماً: { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ } أي: أأنت تتخيل لنفسك أنك تقدر على إسماع من جُبِل على الصمم في أصل فطرته { أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ } المجبول على العمى في مبدأ خلقته { وَ } بالجملة: { مَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [الزخرف: 40] وغواية عظيمة جبلية، كيف تسعى لهدايته، وتبالغ في إرشاده وتكميله؛ إذ ليس في وسعك تغيير الخلقة، وإنما عليك الإنذار والتبليغ فقط، وإلى متى تتعب نفسك وتسعى؟!.
ثم سجل سبحانه على أخذ المشركين والانتقام عنهم بقوله: { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ } أي: أن نتوفينك يا أكمل الرسل، ونخرجنك عن الدنيا قبل انتقامنا منهم، وأخذنا إياهم { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } [الزخرف: 41] ألبتة بعد مماتك ووفاتك.
{ أَوْ نُرِيَنَّكَ } العذاب الموعود { ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ } للإعراض عنك، وعن دينك وكتابك، وبالجملة: { فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } [الزخرف: 42] قادرون على وجوه الانتقام إياهم حال حياتك أو بعدها.