التفاسير

< >
عرض

قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ
٨١
سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ
٨٢
فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ
٨٣
وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ
٨٤
-الزخرف

تفسير الجيلاني

ثم لما شاع قول اليهود والنصارى بولديه عزير وعيسى، ومال إليه أولو الأحلام الضعيفة منهم ومن غيرهم، ردَّ الله عليهم على أبلغ وجهٍ وآكده، بأن أمرَّ حبيبه صلى الله عليه وسلم بالقول على سبيل الفرض والتقدير: { قُلْ } لهم يا أكمل الرسل بعدما بالغوا في هذه الفرية البعيدة عن الحق بمراحل مستحيلة في نفسها: { إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ } أي: إن صح وجاز أن يكون له ولد متصف ببنوته { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [الزخرف: 81] لابنه؛ إذ أنا أعلم الناس بلوازم الألوهية وأحفظهم بحقوق الربوبية، إن كان له سبحانه ولد أنا أحق بعبوديته وتعظيمه من جميع بريته.
{ سُبْحَانَ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ } أي: تنزه وتعالى شأن من هو مربي العلويات والسلفيات، المنبسط بالإحاطة التامة والاستيلاء الكامل الشامل على عموم عروش المظاهر بالاستقلال والانفراد { عَمَّا يَصِفُونَ } [الزخرف: 82] أولئك الواصفون من نسبة الولد والمولود له، تعالى شأنه عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وبعدما انكشفت يا أكمل الرسل بحقية الحق ووحدته وحميديته: { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ } في أباطليهم ويستغرقوا في ظلالهم وغفلاتهم { وَيَلْعَبُواْ } بمقتضيات أوهامهم وخيالاتهم { حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ } يلحقوا { يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } [الزخرف: 83] بملاقات ولحوق ما فيه من أنواع العقوبات والنكبات.
{ وَ } كيف يتخذون له سبحانه ولداً وينسبون له شريكاً، مع أنه سبحانه { هُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ } أي: علام الأساء والصفات { إِلَـٰهٌ } يُعبد له ويُرجع إليه مع صرافة وحدته الذاتية { وَفِي ٱلأَرْضِ } أي: عالم الطبيعة والهيولي { إِلَـٰهٌ } كذلك بلا تعدد وتغير في ذاته { وَ } بالجملة: { هُوَ ٱلْحَكِيمُ } المقصور على الحكمة المتقنة البالغة لا حاكم سواه { ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 84] المقصور على العلم الكامل الشامل، المحيط بجميع ما لاح عليه بروق تجليات الوجود وشروق شمس الذات.