التفاسير

< >
عرض

وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٨٥
وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
٨٦
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٨٧
وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ
٨٨
فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٨٩
-الزخرف

تفسير الجيلاني

{ وَتَبَارَكَ } أي: تعاظم وتعالى الذات القادر العليم الحكيم { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: العلويات والسفليات { وَمَا بَيْنَهُمَا } من المركبات والممتزجات، تدبيراً وتصرفاً على وجه الاستقلال بالإرادة والاختيار { وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } الموعودة قيامها من عنده سبحانه { وَ } بالجملة: { إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [الزخرف: 85] في النشأة الأخرى رجوع الأظلال إلى الأضواء والأمواج إلى الماء.
{ وَ } بعدما ثبت وحدة الحق واستقلاله في ملكه وملكوته { لاَ يَمْلِكُ } ولا ينفع المشركين المسرفين { ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ } ويعبدون { مِن دُونِهِ } سبحانه { ٱلشَّفَاعَةَ } عنده من آلهتهم الذين زعموا أنهم شفعاؤهم عند الله { إِلاَّ مَن شَهِدَ } أن الشفاعة؛ أي: إلا شفاعة من أقر { بِٱلْحَقِّ } واعترف بتوحيده { وَهُمْ } مع إقرارهم واعترافهم { يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 86] وينكشفون بوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته.
{ وَ } الله يا أكمل الرسل { لَئِن سَأَلْتَهُم } أي: المشركين عن { مَّنْ خَلَقَهُمْ } وأوجدهم من كتم العدم، وأظهر أشباحهم منه { لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } الموجد المظهر للكل؛ إذ لا يمكنهم المكابرة والعناد في أمثال هذه الظواهر { فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } [الزخرف: 87] ويصرفون بعدما اعترفوا باستقلاله في الخلق والإيجاد.
وكيف يشركون معه غيره في استحقاق العبادة، والرجوع إليه في الخطوب والمهمات { وَقِيلِهِ } أي: من جملة قوله ومقوله صلى الله عليه وسلم في مناجاته مع ربه في شأن قومه حين آيس عن إيمانهم، بعدما بالغ في إرشادهم وتكميلهم منادياً متضرعاً إلى الله، متعجباً من كمال قسوتهم وانهماكهم في الغي والضلال: { يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ } البعداء عن جادة الهداية والرشاد { قَوْمٌ } متناهٍ في الغفلة والإعراض عنك { لاَّ يُؤْمِنُونَ } [الزخرف: 88] بتوحيدك ولا يقبلون دعوتي، ولا يسمعون قولي.
وبعدما تضرع وناجى مع ربه، قيل له من قِبل الحق على سبيل الوحي والإلهام { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ } يا أكمل الرسل، واعرض عن هدايتهم وإرشادهم، فإنهم مجبولون على الغواية، مطبوعون بالكفر والضلال { وَ } بعدما آيست منهم بأساً كليّاً { قُلْ سَلاَمٌ } على سبيل التوديع والمتاركة { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الزخرف: 89] وبال ما تعملون وتدخرون لنفوسكم من الذخائر الجالبة لأنواع العقوبات، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
خاتمة السورة
عليك أيها الموحد القاصد لتحقيق الحق الحقيق بالإطاعة والاتباع أن تصفي همَّك في جميع حالاتك عما سوى الحق، وتخلي قلبك عن الشواغل العائقة عن التوجه الحقيقي نحوه، وتستقيم على صراط التوحيد مستوياً، مائلاً عن كلا طرفيب الإفراط والتفريط، مقتصداً؛ إذ مرجع جميع الطرق والسبل السوية إلى العدالة الإلهية الفائضة منه سبحانه على استعدادات عموم القوابل والمجالي، حسب قابلياتهم الفطرية التابعة للتجليات الإلهية وشئونه المتفرعة على أسمائه وصفاته الذاتية، وتقتفي في تهذيبك وتصفيتك هذا أثر النبي المجبول على العدالة الإلهية وخلافته ونيابته.
وعليك الإعراض عمَّن أعرض عن الحق وأهله، وانحرف عن سواء السبيل.
جعلنا الله وعموم عباده من زمرة أهل الهداية واليقين، وجنبنا من الضلال عن الطريق المستبين.