ثم قال سبحانه: {إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ} المعدة لذوي الغفلة والضلال {طَعَامُ ٱلأَثِيمِ} [الدخان: 44] المنهمك في الجرائم والآثام، وهو أبو جهل ومن مثله في العتو والعناد، وهي في الحرقة والبشاعة {كَٱلْمُهْلِ} أي: الذهب والذائب، أو دردي الزيت الأسود، وهو من شدة حرقته وحرارته {يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ * كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ} [الدخان: 45-46] أي: كالماء الحار إذا اشتد غليانه، كيف هو، هو مثله يغلي في بطون أهل النار، قال صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اتقوا الله حق تقاته، ولو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم أبدا" ، فيكف حال من هو طعامه دائماً ولم يكن له غذاء سواه، وبالجملة: هم مبتلون بهذا العذاب إلى حيث قطع أمعائهم.
ومع ذلك العذاب الهائل يقال من قبل الحق للزبانية الموكلين عليهم على الدوام: {خُذُوهُ} أي: المسرف الأثيم {فَٱعْتِلُوهُ} أي: ادفعوه وسوقوه بشدة العنف والزجر {إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ} [الدخان: 47] أي: واسطة {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ} مثل في جوفه {مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ} [الدخان: 48] ليستغرفوا بالعذاب الهائل استغراقاً تاماً، وقولوا له: عند صبكم وتعذيبكم على سبيل التهكم والتوبيخ: {ذُقْ} أيها المتجبر الطاغي طعم العذاب الهائل {إِنَّكَ} في نفسك وعلى مقتضى زعمك {أَنتَ ٱلْعَزِيزُ} المنيع {ٱلْكَرِيمُ} [الدخان: 49] الغالب المقصور على الغلبة والكرم بين أهل الوادي، ثم قولوا لهم بعد تشديد العذاب عليهم تفظيعاً لهم وتفضيحاً: {إِنَّ هَـٰذَا} العذاب والنكال الذي أنتم فيه الآن {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان: 50] تشكون وتمارون في النشأة الأولى.