التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ
١٦
وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
١٧
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
١٨
إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ
١٩
هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
٢٠
-الجاثية

تفسير الجيلاني

كما أخبر سبحانه حكاية عن ضلال بني إسرائيل وانحرافهم عن سواء السبيل: { وَلَقَدْ آتَيْنَا } بمقتضى فضلنا وجودنا { بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } أي: التوراة المبينة لهم طريق الهداية والرشاد { وَٱلْحُكْمَ } أي: الحكمة المنبئة عن العدالة الإلهية في قطع الخصومات { وَٱلنُّبُوَّةَ } أذ أكثر الأنبياء بعث منهم وإليهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } أي: الرزق الصوري والمعنوي { وَ } بالجملة { فَضَّلْنَاهُمْ } بإفاضة النعم الجليلة عليهم { عَلَى ٱلْعَالَمينَ } [الجاثية: 16] من أهل عصرهم.
{ وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ } دلائل مبينات منبهات موضحات { مِّنَ ٱلأَمْرِ } أي: التوحيد الذاتي الذي أنت يأ أكمل الرسل تبعث عليه وعلى تبيينه، وبالجملة: { فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ } في شأنك أي: { إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } القطع في كتبهم وعلى ألسنة رسلهم بأنك وكتابك ودينك يا أكمل الرسل على الحق، وما أنكروا لك إلا { بَغْياً } وطغياناً ناشئاً بينهم حسداً وعدواناً بلا مستند عقلي أو نقلي، فاصبر يا أكمل الرسل على مضضهم، وغيظهم { بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ } الذي اصطفاك بكرامته، واجتباك لرسالته { يَقْضِي } ويحكم { بِيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الجاثية: 17] يعني: في شأنك ودينك وكتابك، بعدما عرفوا صدقك وحقية كتابك بالدلائل العقلية والنقلية بأنواع المؤاخذة والمجازاة.
{ ثُمَّ } اعلم يا أكمل الرسل إنا من مقام فضلنا وجودنا { جَعَلْنَاكَ } تابعاً مقتدياً مقتفياً { عَلَىٰ شَرِيعَةٍ } وطريقة منبئة موضحة { مِّنَ ٱلأَمْرِ } الذي أنت تظهر عليه، وأتيت لتنبيهه، ألا وهي الحقيقة التي هي عبارة عن الوحدة الذاتية الإلهية { فَٱتَّبِعْهَا } أي: الشريعة الموصلة إلى الحقيقة بالعزيمة الخالصة { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [الجاثية: 18] فكيف ينكشفون بسرائرها وحكمها، ولا تقبل منهم أباطيلهم الناشئة وآراءهم الفاسدة وأحلامهم السخيفة الكاسدة.
وبالجملة: { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ } غضب { ٱللَّهِ شَيْئاً } إن تعلقت مشيئته بطردك ومقتك بسبب موالاتهم ومتابعتهم { وَ } بالجملة: { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ } الخارجين عن مقتضى الحدود والإلهية، المنحرفين عن جادة العدالة الفطرية { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } لكمال مناسبتهم وموالاتهم؛ إذ الجنسية علة الانضمام وعلامة الالتئام بينهم، فعليك الإعراض والانصراف عنهم وعن موالاتهم { وَٱللَّهُ } المطلع على عموم ما في ضمائر عباده { وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [الجاثية: 19] الذين يتقون عن محارم الله، ويوالون ألوياء الله لله وفي الله.
{ هَـٰذَا } الذي ذكر في كتابك من الأخلاق المرضية، والمنبهة على القسط الحقيقي والعدل الإلهي { بَصَائِرُ لِلنَّاسِ } يبصرهم طريق الهداية، ويوصلهم إلى التوحيد الذاتي، إن استقاموا عليها بالعزيمة الصادقة الصحيحة { وَهُدًى } يهديهم إلى سواء السبيل { وَرَحْمَةٌ } نازلة من قبل الحق { لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [الجاثية: 20] يوفقون للإيمان والإيقان والكشف والعيان.