التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
١
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ
٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ
٤
-الحجرات

تفسير الجيلاني

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } مقتضى إيمانكم: مراعاة الأدب مع الله ورسوله، فعليكم أن { لاَ تُقَدِّمُواْ } ولا تتقدموا في أمر من الأمور وحكم من الأحكام { بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } أي: لا تبادروا بإمضاء الأحكام ما لم تشاوروا بكتاب الله وسنة رسوله ولم تعرضوها عليهما { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } الغيور المطلع على ما في ضمائركم ونياتكم، واحذروا عن المسابقة والمبادرة في الأقوال والأحكام بمقتضى أرائكم وأهوائكم { إِنَّ ٱللَّهَ } المراقب عليكم في عموم أحوالكم { سَمِيعٌ } لأقوالكم { عَلِيمٌ } [الحجرات: 1] بنياتكم فيها.
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } من خصائص إيمانكم بالله وبرسوله أن { لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ } وقت التكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم { فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } ولا تخلطوا أصواتكم مع صوته، بل { وَ } عليكم أن { لاَ تَجْهَرُواْ لَهُ } صلى الله عليه وسلم { بِٱلْقَوْلِ } مطلقاً { كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } إذ الجهر بالقول معه مخل لحرمته وتعظيمه، وإنما نهاكم سبحانه عنه؛ كراهة { أَن تَحْبَطَ } وتضيع { أَعْمَالُكُمْ } أي: الصالحات منها { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [الحجرات: 2] إحباطها وضياعها.
وبالجملة: { إِنَّ } المؤمنين المحسنين { ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ } ويحفظون { أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ } مراعاة لتعظيمه، وحفظاً للأدب معه { أُوْلَـٰئِكَ } السعداء المقبولون، هم { ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ } المجرب لإخلاص عباده { قُلُوبَهُمْ } التي هي وعاء الإخلاص والإيمان ليجعلها مقراً { لِلتَّقْوَىٰ } المثمرة لأنواع اللذات الروحانية { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } ستر وعفو عن مقتضيات بشريتهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } [الحجرات: 3] هو تحققهم بمقام الرضا والتسليم.
ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة: { إِنَّ } المسرفين المسيئين { ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ } يا أكمل الرسل { مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ } حين كنت مستريحاً في خلوتك، فارغاً همَّك عن مقتضيات النبوة، متوجهاً إلى ربك حسب ولايتك { أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [الحجرات: 4] ولا يفهمون منزلتك عند ربك، ولا يتفطنون بخوتك معه واستغراقك بمطالعة وجهه الكريم؛ إذ لو كان لهم عقل يوقظهم من مقام الغفلة ويرشدهم ألبتة إلى مراعاة الأدب معك يا أكمل الرسل.