{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} مقتضى إيمانكم أن {لاَ تَسْأَلُواْ} ولا تقترحوا من رسولكم {عَنْ أَشْيَآءَ} قبل ورود الوحي {إِن تُبْدَ} وتظهر {لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} وتغمكم، وتورث فيكم حزناً {وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ} بلا سواء وحزن {عَفَا ٱللَّهُ} عمَّا سلف {عَنْهَا} فعليكم أن تحافظوا عليها بعد ورود النهي {وَٱللَّهُ} المطلع لضمائر عباده {غَفُورٌ} لهم ما سبق من ذنوبهم قبل ورود الزواجر {حَلِيمٌ} [المائدة: 101] لا يعجل بالعقوبة إلى أن يبوؤوا.
واعلموا أنه {قَدْ سَأَلَهَا} عنها {قَوْمٌ} مثلكم {مِّن قَبْلِكُمْ} من أنبيائهم {ثُمَّ} بعدما ظهر ما اقترحوا {أَصْبَحُواْ} صاروا {بِهَا} بسبب ظهورها {كَافِرِينَ} [المائدة: 102] بعدم امتثالهم وانقيادهم بما ظهر.
{مَا جَعَلَ ٱللَّهُ} أي: ما وضع، وشرع لكم في دينكم ما في الجاهلية {مِن بَحِيرَةٍ} وهو أنهم كانوا إذا انتجت ناقتهم خمسة أبطن خامسها ذكر بحروا أذنها؛ أي: شقُّوها وخلوا سبيلها، فلا تركب ولا تحمل ولا تحلب أبداً، فسموها بحيرة {وَلاَ سَآئِبَةٍ} وهي أنهم قالوا: إذا شفيتُ فناقتي سائبة؛ أي: ممنوعة من الانتفاع كالبحيرة {وَلاَ وَصِيلَةٍ} وهي أنهم إذا ولدت شاتهم أنثى كان لهم، وإذا ولدت ذكراً كان لآلهلتهم، وإذا ولت ذكرا وأنثى في بطن واحد يتبعون الأنثى بالكذور، ويتقربون بها، وسموها وصيلة.
{وَلاَ حَامٍ } وهي أنهم إذا أنتجت من صلب فحل عشرة أبطن، حرم انتفاعه بالكلية، ولم يمنعوها من الماء والكلأ والمرعى، وقالوا: قد حمى ظهره، ويسمونها حام {وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} أعرضوا عن الإيمان والإطاعة {يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ} أي: يستوي أمثال هذه المزخرفات الباطلة على الله؛ افتراءً {وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103] الله، ولا يعلمون حق قدرة ومقتضى حكمته.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} إمحاضاً للنصح: {تَعَالَوْاْ} هلموا {إِلَىٰ} امتثال {مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ} المصلح لحالاتكم {وَإِلَى} متابعة {ٱلرَّسُولِ} الهادي لكم عمَّا فيكم من الضلال {قَالُواْ} من غاية انهماكهم في الغفلة: {حَسْبُنَا} وكافياً {مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ} وأسلافنا، قل لهم {أَ} تقلدونهم، وتقتفون أثرهم {وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً} من أنفسهم {وَلاَ يَهْتَدُونَ} [المائدة: 104] طريقاً مستقيماً بإهداء الهادي، وإرشاد المرشد مع كونكم عقلاء من أهل التمييز والاختيار، فالعار كل العار، فاعتبروا يا أولي الأبصار.