{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ } وبسبب وقوعه بين بني آدم { كَتَبْنَا } قضينا وألزمنا { عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } أي: بلا قصاص شرعي { أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ } مرخصٍ، موجبٍ لقتله من شركٍ وبغيٍ، وقطع طريقٍ وغير ذلك من الفسادات العامة السارية ضرّها وشرّها { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } إذ كل فرد من أفراد الإنسان مستجمع لكمالات الجميع بسعة قلبه، وعلو مرتبته، واستعداده وقابليته لمظهرية الحق وخلافته فكان قتله قتل الجميع.
{ وَمَنْ أَحْيَاهَا } خلصَّها وأنجاها من المهلكة والمتعلقة { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } على الوجه المذكور { وَ } بعدما قضينا عليهم { لَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا } تأكيداً وتشديداً { بِٱلّبَيِّنَٰتِ } الدالة على عظم جريمة القتل عند الله، وعظم النكال المترتب عليها في الآخرة { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ } التشديد والتأكيد { لَمُسْرِفُونَ } [المائدة: 32] على أنفسهم بالقتل بلا رخصة شرعية من غير مبالاة بالآيات والبينات.
{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ } ويقابلون له بعدم الامتثال لأمره، والانقياد لشرعه { وَرَسُولَهُ } بتكذيبه وتكذيب ما جاء به من عند ربه، والقتال معه ومع من تابعه { وَ } مع ذلك { يَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } مفسدين بأنواع الفسادات الساري ضررها في أقطار الأرض { أَن يُقَتَّلُوۤاْ } حيث وجدوا دفعة { أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ } أحياء؛ ليعتبر منهم من في قلبه مرض مثل مرضهم، ثم يُقتل على أفظع وجه وأقبحه.
{ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ } متبادلتين؛ ليعيشوا بين الناس على هذا الوجه، ولينزجر منهم نفوس أهل الأهوية الفاسدة { أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ } إلى حيث يؤمن من شرورهم { ذٰلِكَ } المذكور { لَهُمْ خِزْيٌ } تذليل وتفضيح { فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة: 33] طرد وتبعيد عن مرتبة أهل التوحيد.