التفاسير

< >
عرض

يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٥٧
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
٥٨
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
٥٩
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ
٦٠
-المائدة

تفسير الجيلاني

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } عليكم أن { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ } من غاية بغضهم ونفاقهم { دِينَكُمْ } الذي هو أقدم الأديان وأقسطها { هُزُواً وَلَعِباً } يستهزئون ويسخرون به؛ استخفافاً واستهانةً لأهله { مِّنَ ٱلَّذِينَ } يدعون الدين والإيمان، والإطاعة والانقياد افتراءً ومراءً؛ لأنهم { أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } متلبساً بالحق، لم يمتثلوا به، ولم يعملوا بمقتضاه، ولم يصدقوا الرسل الذين أنزل إليهم الكتاب، بل يكذبونهم، ويقتلونهم؛ ظلماً وعناداً من كفرهم الأصلي، وشركهم الجبلي.
{ وَ } خصوصاً { ٱلْكُفَّارَ } الذين أشركوا بالله المتوحد بذاته، المنزه عمَّا ينسبونه إليه { أَوْلِيَآءَ } يوالونهم، ويحبونهم، كموالاة بعضكم بعضاً؛ إذ هم أعداء لله ولرسوله وللمؤمنين { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } عن موالاة أعدائه { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [المائدة: 57] موقنين به ومصدقين لرسوله.
{ وَ } من غاية بغضهم وغيظهم منهم { إِذَا نَادَيْتُمْ } وأذنتم { إِلَى ٱلصَّلاَةِ } المقربة نحو الحق { ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً } تلك الملاعبة والاستهزاء، والمجادلة والمراء مع الأمناء العرفاء بالله { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ } جهلاء بمقتضى الربوبية، غفلاء عن مرتبة الألوهية وبالجملة: هم سفهاء في أنفسهم { لاَّ يَعْقِلُونَ } [المائدة: 58] ولا يصرفون العقل الجزئي المفاض لهم من الحق بمعرفة المبدأ والمعاد إلى ما خلق لأجله، ومع ذلك ينكرون العقلاء الشاكرين، الصارفين عقولهم وجميع جوارحهم وأعضائهم إلى ما جُبل لأجله من الأعمال المفربة نحو التوحيد الإلهي.
{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ } وتنكرون علينا، وتستهزئون بنا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } المتوحد، المتفرد بذاته، المتجلي على الآفاق بالاستحقاق { وَ } آمنا أيضاً { مَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا } لتبيين توحيده { وَ } كذا آمنا { مَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ } من الكتب على الرسل الماضين لإهداء طريق الحق { وَ } تعلمون أنتم أيضاً يقيناً { أَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [المائدة: 59] خارجون عن الإيمان وجادة التوحيد، ولا تظهرونه؛ عناداً ومكابرةً، ويستهزئون مع أهل الحق تجاهلاً؛ حفظاً لكم ورئاستكم.
{ قُلْ } لهم يا أكمل الرسل تبكيتاً وإلزاماً: { هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } وأخبركم { بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ } الدين الذي أنتم تنقمون منه؛ مكابرةً { مَثُوبَةً } عائدة، وجزاء مرتباً عليه، ثابتاً { عِندَ ٱللَّهِ } قبحه وديدنه { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } طرده عن قبوله { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } بأن أخرجه من رتبة خلافته ونيابته { وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ } المنعزلة عن إدراك الحق { وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ } أي: الأهوية الباطلة، المضلة عن الهداية إلى طريق الحق { أُوْلَـٰئِكَ } المطرودون، المغضوبون، الممسوخون عن مقتضى الإنسانية { شَرٌّ مَّكَاناً } منزلة ومكانة عند الله { وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 60] الذي هو الاعتدال الإنساني، المنعكس عن الاعتدال الإلهي.