التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٦
-المائدة

تفسير الجيلاني

ثم لمَّا بيَّن سبحانه ما يتعلق بمعاش عباده من الحل والحرمة، والزواج والنكاح وحسن المعاشرة، ورعاية الآداب المشروعة فيها، أراد أن يهديهم إلى طريق الرجوع إلى المعاج الذي هو المبدأ بعينه؛ ليميلوا إليه، ويتوجهوا نحوه على نية التقرب، إلى أن وصلوا واتصلوا، فقال منادياً: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بوحدة ذات الحق، وتنزهه عن صمة الكثرة { إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ } أ ي: إذا أردتم أن تخرجوا من بقعة الإمكان، وتميلوا نحو فضاء الوحدة متشوقين، متقربين { فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ } أي: فعليكم أن تغسلوا بماء المحبة والشوق، والجذب الإلهي المحيي، المنبت لأموت الأرواح من أرض تعينات وجوهكم التي تلي الحق عن رين الإمكان، وشين الكثرة.
{ وَ } طهِّروا { أَيْدِيَكُمْ } أي: قصِّروها عن أدناس الأخذ والإعطاء من حطام الدنيا وأقذارها { إِلَى ٱلْمَرَافِقِ } أي: مبالغين في تطهيرها إلى أقصى الغاية { وَ } بعدما غسلتم الوجوه، وطهرتم الأيدي { ٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } أي: امحوا، وحكوا أنانيتكم وهويتكم التي منها طبلكم وأدبكم { وَ } احوا أيضاً { أَرْجُلَكُمْ } وأقدامكم التي بها سلكوككم وطلبكم { إِلَى ٱلْكَعْبَينِ } إلى أن ينقعط سيركم وسلوككم بالفناء فيه { وَإِن كُنتُمْ } أيها المائلون نحو الحق { جُنُباً } منغمسين في خبائث الإمكان وقاذوراتها { فَٱطَّهَّرُواْ } فعليكم المبالغة في التطهير بالرياضات الشاقة من قطع التعلقات، وترك المألوفات والمشتهيات، وبالركون إلى الموت الإداري، والخروج عن الأوصاف البشرية.
{ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ } من الأبرار الذين مرضوا بسموم الإمكان، وبحموم نيرانه وصاروا محبوسين فيه بلا قدم وإقدام { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } من السالكين، السائرين نحو الحق بلا ممد { أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ } أي: رجع من التلوث والتندس بغلاظ أدناس الدنيا من جاهها ومالها ورئاستها { أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ } واستكرهتموهن؛ لأنهن أقوى من بحائل الشيطان وشباكها، يصرف بها أهل الإرادة عن جادة السلامة { فَلَمْ تَجِدُواْ } في هذه الصورة من لدن نفوسكم وقلوبكم { مَآءً } شوقاً إلى الحق، مطهراً لخبائث نفسوكم، قالعاً لها مطلقاً، ومحبة مزيلة لدرن التعلقات، وجذباً مفرطاً من جانب الحق، مزعجاً ملجئاً إلى الفناء.
{ فَتَيَمَّمُواْ } أي: فعليكم أن تقصدوا، وتتوجهوا { صَعِيداً طَيِّباً } مرشداً كاملاً ومكملاً طاهراً عن جميع الرذائل والآثام العائقة عن الوصول { فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ } إي: هوياتكم الباطلة { وَأَيْدِيكُمْ } أي: أوصافكم الذميمة، العاطلة { مِّنْهُ } أي: من تراب أقدام، وثرى سدته السنية؛ لعلة يرشدكم إلى النجاة عن مضيق التعيينات نحو قضاء الذات { مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ } المدبر لأموركم { لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم } ويبقى فيكم { وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ } يمنعكم عن الوصل إلى ما جبلتم لأجله { مِّنْ حَرَجٍ } ويصفيكم أولاً من التعيين وأدناسها { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } ثانياً مما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [المائدة: 6] حيثن تفوزون ما تفوزون.